المنشور

هل نعيد كتابة التاريخ؟


يرى غوته أنه يتعين إعادة كتابة التاريخ بين حين وآخر. تبدو هذه الدعوة شديدة الجاذبية، ذلك أنها تحرضنا، على ما يظهر، على ألا نستسلم للمرويات المتوارثة، وأن نعيد تدقيقها والبحث عما هو خارجها، بمعنى ما أغفلته سهواً أو عمداً، وخاصة عمداً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الحقيقة المتواترة من أن التاريخ كتبه المنتصرون، فأقصوا، وهم يكتبونه، كل ما لا يتلاءم وأهواءهم ومصالحهم.

لكن عبارة غوته حمَّالة أوجه، فالدعوة لإعادة كتابة التاريخ بين حين وآخر، قد تؤوّل على أنها حث لمن آلت إليه الأمور لأن يعيد كتابة التاريخ وفق أهوائه ومصالحه، هو الآخر، فيقصي مرويات اعتمدها الناس قبل ذلك، خاصة أنه من المستحيل الجزم بأن إعادة كتابة التاريخ هي، في المطلق، أفضل من كتابته الأولى، فهي نفسها قد تكون تزييفاً لوقائع هذا التاريخ، فيما أصحابها يزعمون أنهم يغربلون التاريخ مما لحق به من زيف.

يحملنا على هذا القول ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من استشراء لحركات وجماعات و«ميليشيات» تدّعي أنها تمثل الإسلام، وهي في سبيل تسويق صورتها تقدّم مرويات للتاريخ الإسلامي، تنتزع بعضها من بطون الكتب، وتخرجها من السياق التاريخي الذي نشأت أو قيلت فيه لتوظّفها في معارك الحاضر.

بمعنى من المعاني يمكن القول إن ما تروجه هذه الجماعات هو أيضاً إعادة كتابة للتاريخ، لأنها تنفي مرويات قارّة في الأذهان حول صورة أخرى للإسلام، نشأت وتربت عليها أجيال متلاحقة، هي في وعيها وسلوكها أميل للتسامح والانفتاح على الآخر، والعيش بأخوة مع الملل الأخرى، بينما نجد فيما تروجه جماعات التكفير اليوم ما يكفر هذه المرويات وأصحابها، ويخرجهم من ملة الإسلام، ويبيح قتلهم.

في «المقدمة» صنّف ابن خلدون المؤرخين في خانات، أو طبقات حسب تعبيره، ومن هذه الطبقات، طبقة فحول المؤرخين، وذكر منهم: الطبري، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن سعد الواقدي، ممن جمعوا أخبار الأمم في كتبهم. ثم طبقة الجهال، ممن وسمهم بالتطفل لأنهم خلطوا الأخبار بالباطل خطأ أو عمداً، واقتفى بعد هؤلاء جماعة قبلوا هذه الآثار واتبعوها وأدوها كما سمعوها، وتليهم طبقة المقلدين، الذين اتبعوا آثار هؤلاء ولم ينقحوا الأخبار ولم يراعوا طبائع العمران فيما حملوه من الروايات، وأخيراً طبقة المختصرين، الذين اكتفوا بأسماء الملوك والأمصار، كما فعل ابن رشيق في “ميزان العمل”.

علينا بعد هذا تخيّل كيف كُتب التاريخ أو أعيدت كتابته. 



 
حرر في: 26/10/2015