من يطلع على ما وصلنا من أشعار ومقالات ومراسلات جيل رواد النهضة وأعلام التنوير في الخليج الذين عاشوا ونشطوا في نهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين يفاجأ بجرأتهم في إثارة أسئلة كبرى في ظروف الحصار والعزلة، وفي التواصل مع المشروع النهضوي العربي في الحواضر العربية، وحرقتهم للحاق بأشقائهم العرب الذين تهيأت لهم أسباب العلم والمعرفة.
لذا كان هؤلاء الرجال هم من أدخل للمنطقة المطبعة والتعليم والصحف والمسرح وفنون المقالة والقصة كما فعل الشيخ عبد العزيز الرشيد بإصدار مجلة «الكويت» في بدايات عام 1928، التي وصفها صديقنا أحمد الديين بأنها بحقّ مجلة كويتية بحرينية، حيث انتقل ناشرها ومحررها من الكويت إلى البحرين، وأقام فيها معظم أيام عمر المجلة القصير، وكما فعل عبد الله الزايد حين أصدر جريدة «البحرين» في نهاية الثلاثينات واستمرت في الصدور لمدة ست سنوات. وكان على هذا النفر من رواد التنوير أن يواجهوا عسف المستعمر واضطهاد المؤسسات المحافظة والجهلاء من أبناء قومهم.
هذه العلامات في تاريخ الخليج الثقافي هي رصيد لمثل التنوير والنهضة والتحديث والعقلانية. ومن أسف أن كتاباتهم ومراسلاتهم، بما في ذلك المراسلات بين بعضهم البعض أو مراسلاتهم مع رموز النهضة في العالم العربي كتلك التي تمت بين أمين الريحاني وشكيب أرسلان ومع مثقفين ومجلات في مصر وبلاد الشام ما زالت مجهولة وغير متداولة.
يستدعي الأمر مبادرات ثقافية تنطلق من المنجز في قراءة التاريخ الثقافي للمنطقة، ليس فقط بهدف جمع المادة وتدوينها وتوثيقها وإعادة نشرها، وإنما أيضاً دراستها وفق رؤية منهجية علمية بهدف تقديم بانوراما سوسيو ثقافية عن التحولات التي شهدتها بلدان المنطقة تحت تأثير الأحداث الكبرى في الوطن العربي وفي العالم يومذاك. للأسف فإن المثقف الخليجي في كل جيل يبدأ من الصفر تقريباً، منقطعاً عما سبقه، لذا تكثر وتتعدد البدايات عندنا ولا ينشأ التراكم، حين تتعين علينا المقارنة بين حماسة الرعيل الأول من المثقفين في بلدان المنطقة لمشروعهم الثقافي والاجتماعي وبين حال الخيبة التي تستحوذ على الجيل الراهن.
بل إن المقارنة يمكن أن تصح أيضاً بين الوضع الراهن، وما كان عليه بين نهاية الستينات ومطالع الثمانينات الماضية، التي مثلت فرصة ذهبية لتشكيل مثقف خليجي ذي حساسية نقدية، وصاحب رؤية عصرية، لكن ذلك لم يحافظ على قوة الدفع التي بدأ بها.
حرر في: 19/10/2015