تدور رواية «تاريخ حصار لشبونة» لخوسيه سارماغو حول مدقق لغوي يخترق المألوف. فيقوم بتعديل إحدى حوادث التاريخ في كتاب يصححه بعنوان «تاريخ حصار لشبونة»، إذ يقرر وفقاً لترتيب الأحداث وطبيعتها وقراءته الخاصة لها، أن الصليبيين لم يساعدوا البرتغاليين في احتلال لشبونة واستردادها من أيدي المسلمين المغاربة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، بينما يؤكد الكتاب الذي يقوم بتصحيح بروفاته وكذلك عدد كبير من المراجع المشابهة مساعدة الصليبيين للبرتغال، فما كان منه إلا أن أضاف كلمة notقبل الفعل يساعد Help، وبهذا انعكست الآية، فانقلب فعل المساعدة إلى رفض يفرضه الصليبيون على الملك «الفونسو هنريك الأول» ملك البرتغال.
ولما اكتشف الناشرون هذا التغيير الذي مرَّ بسلام، رغم أنه قلب الحقائق رأساً على عقب، اقترحت المسؤولة عن النشر على المدقق اللغوي أن يواصل كتابة تاريخ الحصار من الزاوية التي بدأ بها، أي من زاوية رفض الصليبيين مساعدة البرتغال، ومن هنا يُشرع الرجل بتغيير أحداث التاريخ لتتسق مع ما كان يراه في كتابة تاريخ البرتغال كله من جديد بدءاً من حصار لشبونة، ليبدأ هذا التاريخ بكلمة «لا» النافية التي أضافها عندما كان يصحح البروفات.
يقول الكاتب إن خطأ مطبعياً واحداً قد يغيّر من وجه التاريخ كله، وهذا ما فعله هو شخصياً بسابق الإصرار والترصد في هذه الرواية، ليستفزنا على طرح السؤال الذي لا مناص منه: مَن الذي كتب التاريخ الذي درسناه وندرسه، وإلى أي مدى يمكن أن نثق بأن هذا التاريخ هو حقاً تأريخ لما جرى قبل عقود أو قبل قرون.
كم عدد مَن هم على شاكلة المدقق اللغوي الذين قرروا أن يكتبوا تاريخاً يتسق وهواهم، فأضافوا إليه «لا» النافية حين أرادوا أو حذفوا لاءات مثلها في أمكنة ووقائع أخرى من دون أن يلتفت إليهم أحد أو يعترض عليهم، تماماً كما حدث مع صاحبنا الذي صنع تاريخاً مغايراً من دون أن يجد من يقول له إن هذا غير صحيح، وإن الأمور لم تسر كما رواها هو.
في العادة فإن الناس مشغولة عن التاريخ بقضايا الحاضر، أو لعلها مشغولة بأمور أخرى أقل أو أكثر أهمية من تلك الأمور التي نطلق عليها قضايا، فيما هناك من يكتب التاريخ، أو يعيد كتابته، وفق الأهواء التي تلائم مصالحه.
حرر في: 12/10/2015