اسئلة كثيرة ضجت بها عقول البحرينيين فى ضوء الحديث عن الحكومة المصغرة التى اعلن بانها ستعني بالنظر فى حل المشكلات والتحديات المالية وبالسرعة الممكنة، اسئلة لم يجد الناس أجوبة عنها، وبالرغم من ذلك وجدنا من خاض «معمعة» التحليلات والتأويلات والاستنتاجات فى شأن المعنى الحقيقي للحكومة المصغرة، والانعكاسات المباشرة التى يمكن ان تسيلها او تترجمها هذه الحكومة المصغرة فى المدى القريب، والأولويات التى يفترض ان تشغلها وتقض مضاجعها.
نعلم بان هناك من اعتبر فكرة تشكيل الحكومة المصغرة بالإنجاز المهم لوضع مافتئ يؤكد حاجته الى التغيير، والى الضبط والربط، والى الحلول السريعة المدروسة غير المرتجلة، واعادة إحياء العمل الحكومي بالحد المعقول الذى يوفر المعالجات الحكيمة لمشكلات الناس، والآفاق المحتملة والقريبة التى يمكن ان تتحقق والتى من شأنها ان لا تجعل تشكيل الحكومة المصغرة اكثر من مضيعة للوقت ومراوحة فى المكان نفسه. وكان واضحاً ان الخلاصات بشكل عام فى خصوص هذا الوضوع كان يعمق مراراً وتكراراً الشعور المليء بكثير من الهواجس والتوجسات والتوقعات والمخاوف وحتى الأحلام، كل ذلك لم يقابل الا بترديد مزهق لكلام مكرر أدمناه لا يتضمن عملاً او انجازاً او حلاً ولو عابراً لإستعصاءات شتى تتوالى..!!
نعود الى الأسئلة، الاسئلة التى انهمكنا بها وبالترداد الممل لها قبل الإعلان عن الحكومة المصغرة ان كانت هي كذلك بالفعل، والتى تعاظمت وتشعبت بعد الإعلان عنها، هى أولاً وأخيراً، اسئلة ان عبرت عن شئ فإنما تعبرعن نوع من تفريغ مافي نفوس الناس، وما يتطلعون اليه من اجل التقدم، او من اجل تأمين حاجاتهم الأساسية، او من اجل مواجهة التحديات، او من اجل الاحتمالات التى باتت تهدد المواطن فى ضوء اجراءات تقشفية مرتقبة استهلت برفع الدعم عن اللحوم، او من اجل خيارات حكيمة ومعالجات حصيفة لحالة المراجعة الراهنة لا تضيع فى المتاهات وقادرة على حشد الطاقات عن قناعة واقتناع الناس، وليس بالارتجال او الارتحال عن همومهم ومشاكلهم، او الطلب منهم تحمل ماهو فوق طاقتهم خاصة وان هناك ما يخشى ان يمس قوتهم وأمنهم الاجتماعي، وإلا فإننا نفرض عليهم عقاباً فى غير مكانه مهما أفرطنا فى استخدام الشعارات وكأننا نستخدمها غطاءً لعجز او قصور او فشل..!!
نعود الى الاسئلة: هل ستمضي الحكومة الجديدة المصغرة، ونكرر ان كانت كذلك بالفعل، الى المدى الذى يحدث تغييراً فى ادارة الدولة فى مرحلة بالغة الدقة، وتحسب حسابات أعمق لكل خطواتها، مادامت مكلفة بالتقشفووقف الأهدار، والإقلال من التبذير، ورفع كفاءة الاجراءات الحكومية، وطرح برامج حلول لمشاكل وأوجه وهن وعطب فى اكثر من موقع..؟، وهل سيكون دمج جهات حكومية بعضها ببعض وتشكيل 6 فرق عمل معنية بخفض المصروفات المتكررة، وخفض مصاريف السفر والمواصلات وصيانة المباني الحكومية كأولويات معلنة لمرحلة التقشف، أمراً مصحوباً بالتغيير فى أساليب العمل والتفكير، وفى اعادة هيكلة الادارة الحكومية، وفى اساليب إسناد المناصب وملئها بمن يملؤنها تأهيلاً وعلماً وفكراً ومقدرة ونزاهة وشجاعة فى اتخاذ القرار، وشجاعة فى الاعتراف بالخطأ، وشجاعة فى معالجة الخطأ وعدم التنصل منه او إلقاء تبعاته على الغير..
الفساد هذا الذى يفتح جروحاً من جميع الجهات، هل سيكون ملف مواجهته بجدية وحسم من أولويات الحكومة الجديدة، المواجهة التى يفترض انها تحمل تصميماً جدياً وتغييراً فعلياً ينتظره ويستحقه الجميع، ويبعث الارتياح فى نفوسهم، ولا يجعل للمنغصات إقامة دائمة، وهل سيتم التخلص من تلك الصور الزاهية المكلفة والتى شغلتنا عن المضمون والفارغة من اي مضمون، ومنها تلك التى يثيرها من ليس لديهم سوى الشعارات واستنزاف الموارد المالية فى ما ليس له قيمة او انجاز على الأرض، ولا يثمر سوى الخلل تلو الخلل.
سيكون من الخطأ بافتراض ان ثمة جهود ستبذل على صعيد اعادة هيكلة الادارة الحكومية، حصر هذا الهدف فى بعض عناصر الهيكلة، مثل دمج بعض الإدارات والأجهزة، وتقنين سفر المسؤولين، وتقليل المصروفات، وتبسيط الاجراءات، وما الى ذلك من توجهات معلنة وغير معلنة تفرضها مرحلة التقشف، بل لا بد من عقلية إدارية جديدة لاتضع التعليمات العليا فوق اللوائح والقوانين، ولا تتعاظم فيها الاستثناءات، ولا تضيع فيها الحقوق، ولا تتلكأ عن اعتماد منهجية المحاسبة المستمرة، ولا تجعل المساءلة محرمة، والنقد كفراً، وتضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، معنى ومضموناً، وتفرق بين الشأن والمال العام والخاص، لأن الادارة العامة فى الدولة المعاصرة هي الجهة الراعية للمصلحة العامة والقادرة على حماية هذه المصلحة وصيانة حرمة المال العام من اي تعد مهما كان مصدره، وحين تكون الادارة ضعيفة او مشتتة او بطيئة التجاوب مع التحديات والاستحقات الملحة والضاغطة، ومتدنية الانتاجية، ولا تنفتح مع التطور، ولا تتكيف مع المستجدات، هى ادارة لا تسئ الى المواطن فحسب، وإنما هى ادارة عقيمة تراوح فى مكانها كل ما تفعله هو تبني الشعارات الكبرى والصغرى، لا تحقق التنمية الحميدة المستدامة، ولا تعمل فى اطار رؤية جديدة لدورها فى العمل الوطني، ولا ترسخ معنى المواطنة الحقيقي فى الممارسة الفعلية، هى باختصار ادارة تشكل عبئاً متزايداً على الوطن، وعلى الاقتصاد الوطني وعلى مستقبل ابناء الوطن.
علينا ان نراقب من حيث نتائج عمل المرحلة الحالية والمقبلة، هل هى مراوحة فى المكان، ام نقلة الى الامام كما يراد ايهمامنا..!!
حرر في: 6 اكتوبر 2015