مَن يده في النار ليس كمن يده في الماء، لذا لا يحق للرائي من بعيد أن يطالب من يتهددهم الموت في كل لحظة، حرقاً بالبراميل المتفجرة أو ذبحاً بالسكاكين أو قتلاً بالقذائف والرصاصات الطائشة والموجهة، أن يمكثوا مكانهم حتى يأتيهم الموت.
ما من أحد يترك بلاده وأرضه وبيته، وفي ذهنه ألا يعود ثانية إلا إذا كان مكرهاً، فاراً من بطش ديكتاتورية مقيتة، أو من مذابح أمراء الحروب من كل ملة، وهذا ما تضطر إليه اليوم الآلاف المؤلفة من السوريين، وقبلهم فعل ويفعل العراقيون، من دون أن ننسى الجرح الفلسطيني النازف على شكل نكبات متتالية.
حين تشتعل الحروب، فإن الأقل حظاً في التعليم والمعرفة وظروف العيش، الذين ليس لديهم ما يبيعونه كي يتدبروا ما يدفعونه لمافيات التهريب، يصبحون وقوداً لها، بالقتال في صف إحدى الفرق المتقاتلة، وبأجسادهم ودمائهم تصب النيران على أوار الحروب التي يجني ثمارها في نهاية المطاف أمراؤها. وفي ظروف انعدام فرص النضال السلمي الديمقراطي الذي يستقطب عادة النخب المدنية، وطغيان الاستقطابات السياسية والعرقية والمذهبية، لا تجد هذه النخب من ملاذ لها سوى الهجرة، التي من أجلها يضحون بكل ما ادخروه.
في الحصيلة تُفرغ المجتمعات العربية من صفوة العقول، من أطباء ومهندسين وأكاديميين ومثقفين وأدباء وفنانين.
لقد رأينا هذا بأوضح صورة في حال الفلسطينيين أولاً، ورأيناه في حال العراق فيما بعد، حين هام أفضل ما فيه من كوادر ومثقفين على وجوههم في أراضي الله الواسعة هرباً من بطش الديكتاتورية في البداية، التي سرعان ما استبدلت بديكتاتورية لا تقل سوءاً عنها بعد الاحتلال الأمريكي، حيث لم تعد بعده إلا النخب الحزبية المستفيدة من الوضع الجديد، فيما ظل أصحاب الكفاءات المختلفة في منافيهم القريبة والبعيدة، لتنضم إليهم قوافل جديدة.
هَبْ أن المحنة السورية الدامية انتهت غداً أو بعد غد. من سيعيد بناء سوريا المدمرة، ممزقة النسيج، وقد فرّ منها خيرة أبنائها وبناتها، هذا غير الآلاف المؤلفة من الشبان الذين قتلتهم الحرب أو شوهت أجسادهم؟ وثمة سؤالان أخيران: أليس هناك ما يثير الريبة في أن بعض الغرب يظهر تعاطفه مع اللاجئين السوريين، ويظهر استعداداً لاستيعاب أعداد ليست بقليلة منهم؟
ألا يستطيع هذا الغرب، وهو الممسك بمفاصل القرار الدولي، أن يعالج أساس المشكلة وينهي محنة سوريا، بدل حمل أبنائها على الرحيل منها؟
حرر في: 27/09/2015