أحد الكتاب تصوَّر أن الإنسان يخرج أحياناً من ذاته، تماماً كما يفعل حين يترك بيته ويخرج إلى الشارع، إذ يحدث أن يتحرر الإنسان من تبعات كثيرة تضغط على كاهله، من هواجس تعذبه، أو من ضغوط حياتية تسبب له قلقاً لفترة مؤقتة.
أفرد كولن ويلسون حيزاً كبيراً من كتابه «خفايا النفس» للحديث لما سماه الخروج من الذات.
كان ويلسون اهتم بدراسة عالم الرؤيا (الأحلام)، وعدَّ ما يشاهده الإنسان في المنام بمثابة تقديم ذكريات تجارب الإنسان الواقعية في صورة أخرى جرت إعادة تشكيلها، ولكنها تتضمن بالضرورة عناصر من الواقع.
إن العقل في فترات تراخيه يفسح المجال لتقدم تلك العناصر الكامنة أو المستقرة في العقل الباطن، لكن كاتباً آخر يتحدث عما سماه «الذهاب إلى الذات». مفهومان متناقضان إذاً.
أحدهما يشرح كيف يخرج الإنسان عن ذاته ويتحرر، ولو لوقت، من ضغوط النفس، وآخر يدعو إلى العودة للذات، وكلاهما صحيحان، تبعاً للحال التي يجري عنها الحديث.
هذا الكاتب كتب يقول ما معناه إنه كان يجد دائماً الإمكانية في الانسحاب إلى داخل النفس، إلى «تلك البقعة المتوارية في كل شخص، بقعة الصمت والانطواء». لكنه، ورغم استخدامه لمفردة نقيضة للمفردة التي استخدمها كولن ويلسون، يكاد يصل إلى النتيجة ذاتها، فهو يذهب إلى داخله، «إلى ذلك الفراغ غامق اللون» الذي يخص المرء وحده، عندما يجد أن الخارج يصبح عبثياً أو غير مفهوم، ويدعو للتأمل قوله إن لديه ما يشبه الستارة السرية التي يشدها عند الحاجة، فيحجب العالم الخارجي عن عالمه الداخلي.
ويظل السؤال ماثلاً: هل حقاً بوسعنا، هكذا بمجرد أن نشاء، إقامة الحاجز الحديدي بيننا وبين الواقع حين نشعر بأن مثبطاته كثيرة، وأن الانكفاء إلى الذات هو الملاذ؟ حتى الانكفاء ليس خياراً بأيدينا، لأن ضغوط الخارج علينا هي من القوة بحيث إن التحرر منها ليس عملية إرادية، وإنها تظل تلاحقنا حتى في المنام حين تصبح الرؤيا أو الحلم ذاكرة وقائع الحياة كما يقر ويلسون.
جوهر هذه المعاناة أننا دائمو البحث عن منطقة تصالح مع الذات. حين يعجز المرء عن التصالح مع المحيط، لأن ما فيه من مثبطات فوق قدرته على التحمل، فإن التصالح مع الذات هو رافعة القوة التي تعيننا لا على البقاء فحسب، وإنما على العطاء.
حرر في: 28/09/2015