في المعجم، فإن مفردة حَنْظَلٌ تُطلق على نبات بري مِنْ فَصِيلَةِ القَرْعِيَّاتِ، لَوْنُهُ بَينَ الاخْضِرارِ وَالاِصْفِرَارِ، وبِدَاخِلِهِ حَبَّاتٌ مُرَّةٌ وَسامَّةٌ. وفي الأمثال الشعبية يقال: أمَرّ مِنَ الحَنْظَلِ، كناية عن شدة المرارة، وهذا ما حدا بالشهيد ناجي العلي، الذي مرت مؤخراً ذكرى اغتياله في لندن برصاصة غادرة، لأن يطلق الاسم على صورة الطفل الحاضر في كل رسوماته، حيث قال: «أسْمَيْتُهُ حَنْظَلَةَ كَرَمْزٍ لِلْمَرَارَةِ»، مضيفاً بأن: «حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية». كان ناجي العلي محقاً حين قال: «حنظلة هذا المخلوق الذي ابتدعته لن يغيب من بعدي، وربما لا أبالغ إذا قلت إنني أستمر به بعد موتي». وقد تساءلتُ في مقال سابق نشر في هذه الزاوية، قبل سنوات: مَن مِنهما تَشَبهَ بالآخر: ناجي العلي بحنظلة، أم حنظلة بناجي العلي؟ أين الأصل هنا؟ وأين الصورة؟ تلك هي المعادلة التي لا يمكن فكها أبداً.
لقد تماهى أحدهما في الآخر بحيث لم يعد بوسعنا أن نتصور ناجي العلي من دون حنظلة، أو أن نتصور هذا الأخير في سياق آخر خارج سيرة ناجي الذي عبر الحدود من فلسطين إلى لبنان طفلاً إبان النكبة الأولى، ليكون شاهداً على ملحمة التيه الفلسطيني.
وإذ كبر ناجي ظلَّ الطفل يقظاً، في صورة حنظلة الذي لا يموت، بدليل أننا في كل مرة نشاهد رسوم ناجي تنتابنا دهشة الاكتشاف الأول.
في كل رسوم ناجي العلي يظهر حنظلة مستديراً إلى الخلف، عاقداً يديه وراء ظهره، وهو يتأمل ما يدور أمامه، وحين سئل ناجي: متى سيظهر حنظلة وجهه؟ أجاب بالتالي: «عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته»، وهذا يعني أنه ما زال أمام حنظلة الكثير كي يستدير نحونا بوجهه.
أتكون مجرد مصادفة أن من اكتشف موهبة ناجي العلي في الرسم هو مبدع مثله، سبقه إلى الشهادة؟، ونعني به غسان كنفاني الذي شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له إلى مخيم عين الحلوة فنشر له أولى رسوماته في أحد أعداد مجلة «الحرية» عام 1961، وكان الرسم عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تُلوح.
كان المخيم مصهر تجربته الإنسانية والإبداعية، لذا كانت رغبته، التي لم تتحقق، أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده.
حرر في: 01/09/2015