في لبنان، بعد العراق، تتخذ التحركات الاحتجاجية ضد الفساد وسرقة المال العام وتقاعس الدولة عن أداء التزاماتها عنواناً في غاية الأهمية، هو رفض سطوة زعماء الطوائف، ومنهجهم في الحكم الذي أفرز إما حكومات من لون مذهبي واحد، أو بهيمنة له، كما هي الحال في العراق، أو بمحاصصة طائفية بين وجاهات الطوائف والمتنفذين فيها، كما هي حال لبنان.
كنت أتمنى أن أضع لمقالي هذا عنوان: «أفول زمن أمراء الطوائف»، لولا أن سطوة الواقع ما زالت أقوى من الحلم، ولولا أن الحياة علمتنا ألا نفرط في تفاؤلنا وآمالنا، لكثرة ما جرت مصادرة هذه الأحلام. ورغم ذلك فإن ما يجري في العراق ولبنان، ونأمل أن تهب رياحه على بلدان عربية أخرى، يحمل في طياته نذراً مبشرة عن وعي الناس بحجم الدمار الذي أدى إليه حكم زعماء الطوائف، فالكيل قد طفح لدى هؤلاء الناس من آفات الفساد الذي تتمرغ فيه النخب المذهبية والطائفية التي عملت على تضليل الناس بالشعارات والأقنعة الدينية.
في بلد مثل العراق يسبح على بحيرة من النفط، لم تنفق هذه النخب شيئاً يذكر في إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة في بلد أنهكته الحروب والحصار والطغيان، وفشلت فشلاً ذريعاً في تلبية أبسط الاحتياجات المعيشية لأبنائه، وكشفت عن عجزها في الاختبار الأهم وهو الدفاع عن الوطن وسيادة الدولة على أراضيه، فسلمته في ساعات لوحوش «داعش»، لكنها برعت في الاستحواذ على عوائد النفط وتقاسمها بين رموزها المتعطشة للثراء الفاحش السريع.
وفي لبنان يعجز زعماء المحاصصات الطائفية لأسابيع متتالية عن حل مشكلة مثل مشكلة النفايات في بيروت، التي هي واحدة من أجمل مدن الشرق، لا بل والعالم، والتي كان يضرب بها المثل في النظافة والرقي والتحضر، وفي إطار صراعهم على تقاسم الكعكة، تعمدوا إبقاء المدينة في حال يرثى لها.
في زمن سابق، كان من يصنعون الرأي العام ويؤثرون في تشكيل الوعي لدى الأفراد في الأقطار العربية، هم زعماء سياسيون وقادة لأحزاب وهيئات، تقترب وإن بمقادير مختلفة، من فكرة الحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية، الذين يمثلون الناس جميعاً بصرف النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية وعلى أساس برامج وشعارات وأهداف وطنية عامة. ومحلهم يحتل صدارة المشهد السياسي اليوم أمراء الطوائف العاجزون، حتى في الدفاع عن مصالح الطوائف التي يدعون تمثيلها.
حرر في: 24/08/2015