نُقل الجزء الأكبر من مؤلفات إدوارد سعيد إلى اللغة العربية، ما أتاح للقراء العرب التعرف إلى مفكر من بني جلدتهم، لكن ملابسات نشأته وتحصيله الأكاديمي، وإقامته المديدة في الولايات المتحدة، حملته على الكتابة بالإنجليزية، حيث جرى النظر إليه مفكراً أمريكياً بالدرجة الأولى، يعود إليه الفضل في إثراء الدراسات النقدية والفكرية في الولايات المتحدة، بل إنه لعب دور الجسر بين المفكرين الفرنسيين والساحة الفكرية الأمريكية.
لكن ترجمة كتابه الأهم على الإطلاق: «الاستشراق»، أثارت الكثير من الجدل، حيث تعرف القراء العرب إلى الكتاب، من خلال ترجمة كمال أبو ديب له، التي تشكل حيالها رأي واسع الانتشار، بأنها بدل أن تقرب القراء العرب إلى مناخ الكتاب، فإنها أقامت بينهم وبينه حاجزاً، حين سعى المترجم لاجتراح تعبيرات عربية، غير مألوفة أو متداولة، كي تصبح مقابلة للمفاهيم التي قدمها إدوارد سعيد بالإنجليزية، فبدا الكتاب أكثر صعوبة وتعقيداً مما هو فعلاً.
كل هذا جعل القادرين على القراءة بالإنجليزية، يفضلون العودة إلى الأصل الذي يجدونه أسهل للفهم من الترجمة بكثير، بل إن بعض المثقفين والقراء الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة عام 1948، يقرأون النسخة العبرية، كونها بين اللغات التي ترجم إليها، لأنها بدت لهم أكثر سلاسة من النص العربي، على ما نقل عن بعضهم الباحث المغربي يحيى بن الوليد في كتابه «الوعي المحلق». وعلى الرغم من أن إدوارد سعيد أشاد بترجمة كمال أبو ديب، فإنه كان يفضل، حسب يحيى ابن الوليد، أن يقوم بهذه الترجمة الدكتور إحسان عباس الذي أحجم عن ذلك.
ومن بين من أشادوا بهذه الترجمة الباحث العراقي الراحل هادي العلوي، فيما وجه آخرون نقداً لاذعاً لها، بينهم الدكتور صبري حافظ الذي قال إن الكتاب رُزي بهذه الترجمة التي وصفها بأنها «مفتقرة إلى سلاسة النص الأصلي وجماله». كما أنها «أضافت إليه طبقة من الركاكة اللغوية والفظاظة العقلية وثقل الظل، ولولاها لكان تأثير الكتاب في الثقافة العربية والمثقف العربي كبيراً». سيتعرف القراء العرب إلى «استشراق» إدوارد سعيد، من خلال ترجمة أخرى له، وضعها المترجم المصري محمد عناني، جاءت بعد ربع قرن على ترجمة أبو ديب، ورأى القراء والمهتمون أنها أتاحت فهماً أفضل لمحتويات الكتاب للقارئين بالعربية، ذلك بأن المترجم سعى ما استطاع إلى توخّي الوضوح في نقله.
حرر في: 18/08/2015