في شهر مارس/آذار الماضي خرج عشرات آلاف الجزائريين في مدينة ورقلة الجزائرية الغنية بالنفط والواقعة على بعد 800 كم جنوب الجزائر، حيث تقاطروا على المدينة من مختلف مناطق البلاد يتقدمهم زعماء المعارضة بكافة أطيافها العلمانية والإسلامية والمنظمات الاجتماعية والنقابية والحقوقية، وكذا شخصيات من مواقع مختلفة تجمعها معارضة استغلال الغاز الصخري(Shale gas)، وخرجوا في تظاهرة سلمية للتعبير عن غضبهم من استمرار الحكومة في استغلال الغاز الصخري بمنطقة عين صالح بولاية تمنراست في أقصى جنوب البلاد، ومطالبة السلطات بالاستجابة لمطالب الشعب و«تحرير الصحراء مجدداً من قبضة فرنسا» (بحسب شعارات التظاهرة)، في إشارة إلى الشركات الفرنسية التي يشاع أن السلطات الجزائرية اتفقت على منحها حق الامتياز الأول في استغلال الغاز الصخري. علماً بأن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كان تدخل شخصياً لمنع استغلال الغاز الصخري في بلاده، نظراً لتبعاته الخطرة على البيئة وعلى صحة الإنسان، فيما تعمل شركات بلاده على استغلاله في الجزائر. ولكن من غير المتوقع أن تستجيب السلطات الجزائرية لهذه المطالب، برسم إصرارها الواضح، حتى الآن على الأقل، على استثمار عمليات استكشاف الغاز الصخري لتعويض النقص الفادح في خزانة الدولة جراء انهيار أسعار النفط.
ذلك في الجزائر، أما في الولايات المتحدة التي كانت وراء «ثورة» عمليات الاستكشاف بالتكسير الهيدروليكي (Hydraulic fracturing) عن النفط والغاز الصخريين (Shale oil and shale gas) خصوصاً في ولايتي تكساس وداكوتا الشمالية، حيث أسهمت طفرة إنتاج النفط الصخري في رفع الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة من 5 ملايين برميل يوميا في عام 2008 إلى 9.4 مليون برميل في العام الماضي. وقررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وضع قواعد وضوابط لتنظيم أعمال الاستكشاف باستخدام تكنولوجيا التكسير، بهدف حماية البيئة من الآثار الضارة لهذه الأعمال الاستكشافية التي حولت الولايات المتحدة في ظرف أقل من عقد إلى قوة عالمية رئيسية في مجال الطاقة. ويقضي التشريع الجديد الذي ستطرحه الإدارة، بمنع تسبب أعمال التكسير في تلويث المياه، وهو ما تسببت فيه بالفعل الشركات الأمريكية العاملة في هذا النشاط. ولربما كانت ولاية كاليفورنيا أولى ضحايا تلوث المياه الجوفية جراء أعمال التكسير الهيدروليكي، حيث أمر حاكم الولاية جيري براون بتطبيق قيود صارمة على استهلاك المياه اعتباراً من أول إبريل/نيسان 2015، لمواجهة ليس فقط مشكلة الجفاف الشديد التي تعانيها الولاية للعام الرابع على التوالي، وإنما لمواجهة مشكلة تلوث خزاناتها الجوفية الناتجة عن أعمال التكسير كما قيل. وبموجب هذا التدبير سوف يتعين على جميع مجالس المياه في الولاية العمل على خفض الاستهلاك بنسبة 25% على الأقل على مدى 11 شهراً المقبلة، إضافة إلى مطالبة موردي المياه بزيادة الأسعار.
جدير بالذكر أن عمليات الاستكشاف بالتكسير الهيدروليكي تشتمل على حقن وغمر المكامن الصخرية العميقة بكميات ضخمة من المياه الممزوجة بمواد كيماوية باستخدام ضغط عالي من أجل تحطيم الصخور وإطلاق النفط والغاز المحبوس داخل مسامها، ما ينتج عنه أضرار بيئية لا تستطيع دراسات تقصي الأثر البيئي للمشاريع (Environmental Impact Assessment – EIA)، التغاضي عنها.
ولهذا السبب أحجمت البلدان الأوروبية، باستثناء بريطانيا، عن تقليد الولايات المتحدة في الاستعانة بتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي لاستكشاف النفط والغاز الصخريين، على الرغم من حاجة أوروبا الماسة لمصادر الطاقة بأنواعها المختلفة، التقليدية والمتجددة
(Conventional and Renewable energy sources). بل إن كلاً من فرنسا وبلغاريا حظرتا هذا النوع من النشاط الاستكشافي قانونا. ومع أن التشريع الأمريكي الجديد لا يغطي من إجمالي الأراضي الفيدرالية الأمريكية سوى 11% من إنتاج الغاز و5% من إنتاج النفط الأمريكي، إلا أنه استدعى ردة فعل غاضبة من جانب لوبي الشركات النفطية المنقبة عن النفط والغاز الصخريين، إذ اعتبر التشريع الجديد، معوقاً إضافياً أمام الصناعة التي كان لها الفضل الأكبر في انتشال الاقتصاد الأمريكي من الركود إلى الانتعاش الذي يشهده اليوم. وفيما اعتبر مستشار البيت الأبيض بريان ديس هذا التشريع «توازناً مناسباً» بين السلامة والنمو، وفيما دافع مسؤول حكومي آخر عن التشريع بالقول غنه لن يضيف سوى 0.25% إلى تكلفة استخراج برميل النفط، رأت فيه المنظمات البيئية، لفتة رمزية من جانب إدارة الرئيس أوباما التي أفرطت في تشجيعها لأعمال التنقيب عن النفط والغاز الصخريين من أجل إنقاذ الاقتصاد من انسداداته الهيكلية التي كادت تخنقه.
(Conventional and Renewable energy sources). بل إن كلاً من فرنسا وبلغاريا حظرتا هذا النوع من النشاط الاستكشافي قانونا. ومع أن التشريع الأمريكي الجديد لا يغطي من إجمالي الأراضي الفيدرالية الأمريكية سوى 11% من إنتاج الغاز و5% من إنتاج النفط الأمريكي، إلا أنه استدعى ردة فعل غاضبة من جانب لوبي الشركات النفطية المنقبة عن النفط والغاز الصخريين، إذ اعتبر التشريع الجديد، معوقاً إضافياً أمام الصناعة التي كان لها الفضل الأكبر في انتشال الاقتصاد الأمريكي من الركود إلى الانتعاش الذي يشهده اليوم. وفيما اعتبر مستشار البيت الأبيض بريان ديس هذا التشريع «توازناً مناسباً» بين السلامة والنمو، وفيما دافع مسؤول حكومي آخر عن التشريع بالقول غنه لن يضيف سوى 0.25% إلى تكلفة استخراج برميل النفط، رأت فيه المنظمات البيئية، لفتة رمزية من جانب إدارة الرئيس أوباما التي أفرطت في تشجيعها لأعمال التنقيب عن النفط والغاز الصخريين من أجل إنقاذ الاقتصاد من انسداداته الهيكلية التي كادت تخنقه.
هذه الضوابط الجديدة، رغم عدم غلاظتها، سوف تحد من الأنشطة الاستكشافية في مجال النفط الصخري، وستضغط أكثر على جانب العرض في السوق لمصلحة المنحنى الصعودي لسعر برميل النفط. ومثل هذه التطورات الفجائية يتلقفها كالعادة المستثمرون المضاربون (الاستثمار توظيفاً للمضاربة)، حيث أدت الأسعار المنخفضة للنفط لإقبال كبير على عقود شرائه المستقبلية، لاسيما من قبل ما تسمى بصناديق الاتجار المالي (Exchange Traded Funds -ETF) التي باتت تستحوذ على نحو ثلث عقود النفط الآجلة في الولايات المتحدة، لاسيما عقود نفط غرب تكساس الوسيط. وبحسب متابعين للسوق، فإن هذه الصناديق تحوز اليوم ما بين 175 مليوناً إلى 180 مليون برميل من العقود الآجلة لنفط غرب تكساس تسليم شهر مايو/أيار 2015، وهو ما يشكل نحو 30% من العقود الآجلة تسليم الشهر نفسه المبرمة في بورصتي نيويورك وانتركونتيننتال معاً، وهما أكبر بورصات الطاقة في العالم. وقد أدى تكالب المستثمرين على هذه الصناديق، الذي استحوذ بموجبه «صندوق الولايات المتحدة النفطي» (US Oil Fund)، أكبر صناديق الاتجار المالي، وحده على أكثر من ملياري دولار – لقد أدى هذا التكالب الاستثماري إلى إعطاء جرعة صعود لسعر برميل النفط في الآونة الأخيرة. والأرجح أن تعويق نشاط الاستكشاف النفطي الصخري بموجب الضوابط الجديدة التي قررتها إدارة الرئيس أوباما مؤخراً، سوف يخدم نزعة المضاربة لدى هذه الصناديق التي اشترت عقودها المستقبلية في النزول.