في 22 ديسمبر 2014 نشرت “الأيام” تقريراً عن التأمينات الاجتماعية اشتمل على تحليل وعرض لمعلومات من التقرير الفصلي الى جانب تصريح نسب لمصادر غير معلومة دقت فيه ناقوس الخطر، ولكن للأسف ولأسباب غير صحيحة، وعليه اود أن اضع بعض المعالجات وتصحيح الخلل بشكل علمي ومتخصص ودقيق.
أولا: كيفية عمل نظم التأمين الاجتماعي:
هناك أسلوبان؛ الاول هو ان يتم اقتطاع مبلغ معين ثابت من راتب كل العمال والموظفين بشكل شهري يؤهلهم للحصول على راتب تقاعدي ثابت؛ على سبيل المثال يدفع من يعمل في بريطانيا 50 جنيها شهريا مقابل راتب تقاعدي يساوي 484 جنيها شهرا اذا عمل لأقل من 30 سنة. ويوفر هذا النظام راتب تقاعدي يضمن اساسيات الحياة ويتوجب على العامل ان يرتب لنفسه تأمينا للتقاعد عن طريق شركات التأمين الخاصة حتى يضمن لنفسه حياة كريمة ويعيش في مستوى مقارب لدخله من العمل.
الاسلوب الثاني النسبي؛ وفيه يقتطع من العامل ومن رب العمل نسبة من الراتب الذي يتقاضاه العامل على ان يحصل على نسبة من راتبه عند التقاعد وهو المعمول به في البحرين؛ فيستقطع من البحريني 6% من راتبه ويدفع رب العمل 9% من الراتب على ان يحصل العامل على راتب تقاعدي يساوي ما نسبته ضعف عدد سنوات العمل من الراتب عند استحقاق الشروط الاخرى.
ثانيا: البعبع الاكتواري:
كلما تحدث مسؤول راح يرمي بمصطلحات مرفودة بكلمة أكتواري مثل الخبير الاكتواري والعجز الاكتواري وغيره، فما المقصود بالعلم الاكتواري والخبير الاكتواري وماهي مهامه وماهو العجز الاكتواري ولماذا يحصل العجز الاكتواري؟ تعرف موسوعة ويكيبيديا العلم الاكتواري (تعريبه علم المستقبليات أو علم تخمين المخاطر) بأنه مبحث علمي يستخدم الطرق الحسابية والاحصائية لتقدير حجم المخاطر في قطاع التأمين والصناعات المالية. والخبير الاكتواري هو الشخص المؤهل من حيث التعليم والخبرة في هذا المجال وهو تخصص أكاديمي تقدم فيه شهادات البكلوريوس والماجستير والدكتوراة والشهادات الاحترافية وأشهرها معهد المدرسين والاكتواريين في بريطانيا.
في حال انشاء اي برنامج للتقاعد تبدأ الخطوة الاولى بالتعاقد من خبير اكتواري تقدم له المخرجات المطلوب انجازها أو المنافع التي سيحصل عليها المتقاعد (وهي في حالتنا ما نسبته ضعفي سنوات الخدمة من الراتب) ليقوم الخبير الاكتواري بدراستها وتحديد نسب وشروط الاشتراكات المطلوبة للوصول الى المخرجات كما يقدم في دراسته البيانات المالية المتوقعة على المستوى البعيد.
وعليه فأن العجز الاكتواري هو اما نتيجة الى خطأ في الحسابات الاكتوارية أو نتيجة لتغير المخرجات كما في حالتنا، ويعني العجز الاكتواري عدم القدرة على الوفاء وتنفيذ المخرجات على المدى البعيد، اي بمعنى ان الاشتراكات التي دفعت من المشتركين المتقاعدين اليوم لا تكفي لدفع رواتبهم التقاعدية طوال الفترة المتوقعة لأستحقاقهم.
وعمليا؛ فأن التأمينات الاجتماعية قامت بأضافة العديد من المنافع الاضافية التي ساهمت في ارتفاع كبير في المتقاعدين ومنها التقاعد المبكر، رفع الراتب الادنى التقاعدي والزيادة المركبة عليه الى جانب العلاوة الاجتماعية. وعلى جانب آخر برامج التقاعد المبكر الالزامي الذي قامت به العديد من الشركات الوطنية للتخلص من موظفيها، العائد الضعيف على الاستثمار والفساد وعدم اشمول التأمين للأجانب كلها عوامل طرأت على النظام المرسوم وفق الدراسات الاكتوارية وهو بالتأكيد سينتج عجزا.
وفي التصريح المذكور اعلاه كانت هناك مغالطة كبرى في الربط بين الفجوة بين الاشتراكات والمعاشات ووصفها بالعجز حاليا وبالفائض سابقا. المفروض ان تموَّل معاشات المتقاعدين اليوم من اشتراكاتهم التي دفعوها طيلة فترة عملهم والاشتراكات التي تحصل اليوم تدخر لتصرف على من يعمل اليوم عندما يتقاعد غدا، وعليه لا علاقة بين الاشتراكات والمعاشات ولايمكن تسمية الفارق بينهما بالعجز أو الفائض فالمعاشات دفعت سابقا ولا تدفع من الاشتراكات الحالية.
وعليه نستخلص ان ماجاء في هذا التصريح يدق ناقوس الخطر، ولكن بتسبيب مغلوط، والخطر الحقيقي هو العجز الاكتواري ومسبباته اعلاه كلها نتاج لأدارة سيئة طوال عقود تسائل عليه الحكومة فهي من يعين اعضاء مجلس ادارة الهيئة وهي من يقصي العمال من التواجد في هذه الادارة ويحرمهم من الاشراف على ادارة اموالهم ووقف الفساد المستشري الموثق في تقارير ديوان الرقابة المالية.
الكاتب : يحي المخرق
من نشرة التقدمي العدد92يونيو 2015