المنشور

” الانظمة الدكتاتورية تعمل على تدني مستوى الوعي السياسي و الديمقراطي في صفوف الجماهير”


هكذا تعيش الشعوب العربية منذ عقود من الزمن مضت تحت رحمة الانظمة العربية الدكتاتورية متنوعة الاوجه, لكن الاهداف كانت و لا تزال  واحدة في ظل الملكيات و الجمهوريات, ومنهم من مارس ابشع انواع الاضطهاد الفاشي بحق شعوبنا العربية التي  عانت  ولا تزال تعاني من انواع الظلم و الاضطهاد بصورة ممنهجة, لدرجة تفتيت النسيج الاجتماعي العربي و مسخ الهوية وتوطين الاجانب, ومن ثم ان نظام صدام حسين في العراق كان نمودج صارخ لنوعية الانظمة العربية الفاشية التي قد مارست اقصى  انواع الاضطهاد و التهميش ضد شعوبها في العالم.

حقيقةً لقد عاصر المناضلون الشرفاء في الوطن العربي و معهم جماهير الطبقة العاملة, و الشباب, و النساء, و المثقفين الثوريون بمختلف التوجهات الفكرية و السياسية, وبالخصوص القوى اليسارية حجم الاضطهاد الشامل و الممنهج في ظل العيش مع الانظمة العربية الاستبدادية ان كان في ظل حقبة الاستعمار او بعد الاستقلال الوطني.

لقد عملت هذه الانظمة على الغاء شعوبها من الوجود  وجعل المناضلين عرضةً للتنكيل و الزج بهم في السجون او المنافي, وتشجيع الهجرة للتخلص من الشعوب وخصوصا القوى المحركة في ساحات  النضال تحت شعار اما ان تكون الشعوب العربية مطاوعة لسياسات القمع و التهميش, وفرض نمط العيش التي تتراجع فيه كل القيم و الاخلاق الانسانية التي تفتقد فيها اسس الحياة الكريمة الحرة, و التي يناضل من اجلها الشرفاء و في المقدمة القوى العربية اليسارية.

من المعروف وبعد الاستقلال الوطني لمعظم البلدان العربية, و التخلص من هيمنة الاستعمار العسكرى بقوة نضال الشعوب العربية  في سبيل الحرية و التحرر الوطني,  الا اننا نرى الان ان البرجوازية العربية الراسمالية و معها بقايا الانظمة شبه الاقطاعية بالتحالف  مع الاستعمار الجديد في ظل الهيمنة  للامبريالية  العالمية  حليفة الصهيونية, و الذين هم الان القابضون  على مفاصل الحياة الاقتصادية و بيدهم القرار السياسي العالمي, وقد استحوذوا على جل الثروات للشعوب العربية, و التلاعب بالاموال العامة خصوصا الثروات النفطية و مشتقاتها بما ان 90 في المئة من الشعوب العربية تعيش تحت خط الفقر و ادنى, بما ان من يتحكمون بالثروات هم الاقلية من اسر الحكام و الشركات الوطنية و الاجنبية صاحبة الامتيازات, ومنها الشركات الانجلو-امريكية وغيرهم من المؤسسات الراسمالية العالمية, ومنها البنوك الدولية و الشركات المصرفية.

حقيقة ان ما يحصل من مآسي لتدمير الشعوب العربية ما هو إلا نتيجة لسيطرة الانظمة  العربية الدكتاتورية, ثم  ان من سياسات هذه الانظمة العربية هو تعميق جذور الانقسام و التفكيك لأواصر الاخوة بين الشعوب العربية من خلال بث الافكار المشبعة  بالاحقاد, منها القومية الشوفينية, و العنصرية الطائفية, و عقلية الانتقام و التشفي ضد القوى المعارضة للسياسات الرجعية, و التسلطية جراء الحكم الشمولي العربي الذي قد ربط مصيره كلياً بالمصالح للامبريالية العالمية, و الصهيونية و الرجعية المتخلفة,  ومن ثم اصبحوا دعايات حروب ضد شعوبهم وليس ضد النظام العنصري في اسرائيل.

ومن ابشع ما تروج له الانظمة العربية هو المحاولة لتدني مستوى الوعي الحقيقي في صفوف الجماهير العربية, بما فيه الوعي الاجتماعي و السياسي و الفهم الحقيقي لمعنى الديمقراطية ذلك من خلال محاربة الافكار العلمانية, و التقدمية, و اليسارية, و تغييب الاسس للديمقراطية الحقيقية مع تغييب كل ماله صلة بنضال الطبقة العاملة و الفلاحين وسائر الشغيلة اليدوية, و الفكرية, و التلاعب بالعقول العلمية و العمل على تهجيرها.

كل ذلك في سبيل اخلاء الساحة من القوى الحية و المؤثرة  في وسط المجتمعات المدنية  العربية التي تستطيع ان تنتقد اماكن الخلل و معرفة  الاسباب الرئيسية لمجمل المشاكل السياسية, و الاقتصادية, و الاجتماعية, و الثقافية بحيث ان تخلق هذه الانظمة اجواء الاضطهاد للقوى النشطة لخلق اجواء سياسية بدون  معارضة, بل اجواء تصبح الناس فيها مطاوعة لسياسات الانظمة الشمولية, و منها شديدة القساوة و الرجعية كي تسمح الظروف لهذه النظم  ان تتمادى في التحكم في ثروات الشعوب العربية و الاستمرار في الفساد المالي و الاداري,  والتلاعب بالاموال العامة وتدمير الاقتصاد الوطني, وتشجيع اجواء الاستغلال من قبل القوى الراسمالية العربية, و الاجنبية, للمزيد من التحكم و الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية.

ومن ثم اخذ العمل  في اللعب على نشوب الصراع الداخلي بين الشعوب العربية على شكل طائفي, او قبلي, او قومي كي تتخلص هذه الانظمة من الصراع السياسي و الطبقي الحتمي و الموجه لها, وعليه فأن هذه الانظمة تعمل على تقليص المساحات في مسألة الحريات العامة, و الخاصة, و العمل على عدم المساواة بين الشعوب و الهروب من تطبيق اسس المواطنة و تغييب العدالة الاجتماعية, ونتيجة لمثل هذه الاوضاع الماساوية التي تعيشها الشعوب العربية من المحيط حتى الخليج حدث ما كان في الحسبان للانظمة العربية الانتفاضات العارمة في الوطن العربي التي زلزلت عروش الظلم و الاستبداد في حركة ربيع عربية عام 2011, بالرغم من الاخفاقات و عدم النجاح لهذه الثورات نتيجة في عدم النضوج الفعلي للقوى المحركة اليسارية, ودخول القوى الدينية على الخط لقطف الثمار و حدوث الثورات المضادة في مصر و ليبيا’ و ما يحدث في لبنان و اليمن و سوريا و العراق انه لمخاض عسير.

حقيقةً لقد اهدوني  الرفاق كتاب عن المواد للفعالية الفكرية المركزية الخامسة  بعنوان الطائفية السياسية الي اين ؟ ورهنات الواقع و خيارات المستقبل,,  من اصدارات الحزب الشيوعي العراقي الشقيق.
من فصول هذا الكتاب القيم يحكي عن ما حصل في العراق ابان حكم حزب البعث الفاشي, حيث قد تعرض الشعب العراقي بكل طوائفه و قومياته و طبقاته الكادحة و مثقفوه من الرجال و النساء وكل القوى المناضلة بمافيهم الشيوعيين الى اشد انواع القمع, و القهر, و الاضطهاد, و الحرمان, و الفقر, و الاذلال, و تفشي ظاهرة الجهل و الامية, و هو عمل متعمد من اجل تغييب الوعي الاجتماعي و الوطني, ومن اجل مسح الهوية و منع الانسان العراقي من التفكير الحر السليم, ومن اجل عدم اعطاء الفرصة للمطالبة بالتغيير الديمقراطي الحقيقي السلمي.


ثم لمثل تلك الاسباب في تلك المرحلة السوداء التي عاشها الشعب العراقي في فترة قد حصل فيها نقوص و تراجع شديد في عملية التطور الاجتماعي, و الذي كان السبب في تدمير وعي الانسان العراقي  جراء التدهور الحاد في حياة الجماهير جراء التنكيل و الملاحقات, و التصفيات الجسدية لخيرة مناضلي الشعب العراقي في صفوف الحركة الشيوعية, و الوطنية الديمقراطية, و ممارسة  الاضطهاد الديني و القومي.

هذا جزء من الحقيقة, نعم ان كل ذلك من الممكن ان يحدث في اي مجتمع عربي و هو الشايع, فلا بد من حدوث التدهور  ومن ثم تدني في مسالة الوعي الحقيقي في صفوف الجماهير جراء الاضطهاد الممنهج من قبل الانظمة العربية الدكتاتورية التي تحارب الشعوب العربية في مواقع عديدة.


جواد المرخي

المنبر التقدمي / البحرين