لعلنا في حاجة الى اصحاب اختصاص في التحليل المعتبر لبحث ودراسة ما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض القنوات الفضائية، وبعض المنابر الدينية والإعلامية، كل الاتجاهات والتوجهات السياسية، والدينية، والطائفية والذهنية المتطرفة بكل تجلياتها، وبكل أسمائها الطارئة او المارقة التي تشكل فسيفساء واقع مأساوي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، كل هذه الاتجاهات والتوجهات مطلوب تحليلها، لعلنا نصل الى سبب كل هذا التشويه الفج فى واقعنا الراهن، وكيف قفزت عندنا مواهب من كل اتجاه ومجال استطاعت ان تحول الشئ الجيد الى شيء رديء جداً، يعادي العقل والمنطق ويخاصم الحياة والإنسانية ويعقم اذهان الناس ضد الاصابة بالذكاء والتفكير، بل ويجعلنا اذا لم نأذن لغيرنا بالتفكير لنا وعنا في حالة معاداة للدين، وخروج عن ملة الإسلام، أليس هذا الوضع هو الذى خلق لنا آلاماً وأزمات وهموماً مستعصية وصنع عداوات وتعصب وأحقاد..!!
ليس مطلوباً من هكذا خطوة ان نعدد الآفات التي باتت معروفة بقدر ما هي معروفة الأهداف والغايات، وقبلها البدايات والنهايات والمخططين الذين يصوغونها ويخرجونها، ليس مطلوباً ايضاً ان نصل الى مناصحة او طبطبة او توجيه لوم لهؤلاء العابدين لأخطائهم لان ذلك لن يجدي، وسنكتشف بأننا نعيش حالة من المراوغة والمراوحة المستدامة، حالة تفرز أشكالاً من التطرف والتعصب وكل ما بات ملتبساً بالتدين والدين، وكأن محاولة فهم الدين لا يتم الا بإظهار مخزون من الكراهية والجلافة وكل ما هو ضاج بالألم والأحقاد والخصومات والعداوات والتفاهات الصغيرة والبذاءات العريقة فى المقام والمجد والنسب..!!
ليس ذلك مطلوباً، بل المطلوب قبل ذلك ان لا نفقد احساسنا بخطورة ما نحن فيه، وان لا نكون عاجزين عن فعل يخلصنا من كل العيوب والعاهات المذهبية والطائفية والعقلية والدينية والأخلاقية السائدة، هذه العاهات والدمامات المرئية والمسموعة من الداخل والخارج، آن الأوان ان نحسن استخدام عقولنا حيالها، أليست العقلانية حسن استخدام العقل، كما وصفها ديكارت، يكفي ان نمعن في هذا الذي يتم تداوله فى الفيسبوك وبعض شبكات التواصل الاجتماعي سنجد الى اي مدى يغيب العقل، وكيف يطأفن كل شأن وطني، وكيف يبث ما يراد ان يوصلنا الى عالم من الأوهام والمغامرات باسم الطائفة تارة وباسم الوطنية تارة اخرى، وكيف يبذل البعض جل جهدهم من اجل ان نعيش ونتعايش مع الأخطاء، نتكيف معها، أخطاء تبعث على القلق من كل شيء، من بعضنا بعضاً، يخاف الواحد من الآخر، بدلاً من ان يخاف عليه، والذين تسلقوا وحولوا هذا الواقع المأزوم الى فرصة بل فرص وكل كفاءتهم هي تحويل الخسارة الى ربح عبر تعميق حالة الانشطار والإيقاع بين الناس وإشاعة التوتر بينهم، هؤلاء ليس علينا فقط ان نحذر منهم، بل ان نوقفهم عند حدهم، علينا أيضاً ان نكون مساندين لكل خطوة تدفع باتجاه التصدي لمن يستهدف التلاعب بالنسيج الوطني وكل قيم التسامح والتعايش.
مؤسف وباعث على أسى بالغ ان تواجه الجهود التى انصبت فى ذلك الاتجاه بالإساءة، والتشكيك في مقاصدها، بعض التعليقات قالت بما معناه وبوقاحة كاملة بانها لا تقبل بتلك القيم، واستهزؤوا بالنيات الطيبة وبكل جهد وطني مخلص، اعتبروا ذلك عبثاً في عبث، ووهماً في سلسلة طويلة من الأوهام والممارسات التي تلامس القعر وتسعى الى ما تحته، وبات واضحاً ان جل هم هؤلاء الذين تتجلى كفاءة كثير منهم فى الشتائم التى يتقنون فن توجيهها فى كل اتجاه، هو صناعة التطرف والتعصب ونشر ثقافة الكراهية، والغريب حقاً ان هؤلاء يتحدثون عن حبهم للبحرين، فيما أقوالهم وربما أفعالهم تعطي مثالاً سيئاً عن حب البحرين..!
بات علينا لزاماً ان ندعم ونساند كل المبادرات والخطوات والأنشطة التي تدفع الى لم الشمل وتنبذ كل أشكال الفرقة والانقسام والتطرف، وعلينا ان نرفض كل ما يخلق ولاءات غير الولاء للوطن، وربما آن الأوان ضمن ما بات يتوجب القيام به اصدار قانون يقضي على الأفعال والأقوال المرتبطة بازدراء الاديان ويضع حداً لاستغلال الدين او العقيدة او الملة او المذهب، ويجرم بث خطابات الكراهية المتوحشة عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، ويصون العيش الوطني المشترك، على غرار ما فعلته الشقيقة «دولة الامارات»، التي أصدرت مؤخراً قانوناً رائداً هدفه حماية الوحدة والاعتدال والاستقرار وثوابت الدين، ويقطع الطريق على أفكار التمييز والكراهية التى تبث من الداخل، او ترد من الخارج، ويمنع الانشطار المجتمعي تعنتاً او تطرفاً او اجراماً.
علينا ان نقدم على مثل هذه الخطوة، وان نفعل ذلك واكثر، وان نضع فى صدارة اولوياتنا واهتماماتنا اصلاح الداخل، واعادة الاعتبار الى العمل الوطني الحقيقي وعدم الهروب من المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطن، وان نفتح الأبواب التي تعزز من المواطنة الحقة وتظهرها بكل تجلياتها، وان نتصدى بحزم وحسم وبشكل لا لبس فيه او غموض او مراوغة او تردد او مناصحات عقيمة، حيال من يريد تجويف الإطار الوطنى الجامع، وان نعمل بجد على خلق ثقافة جامعة ووطنية، مضادة للطوائفيات ونابذة لكل ما يغرس الأحقاد والكراهيات من جانب مقاولين ومستثمرين ينتجون «النفايات الطائفية ويرمونها في الشارع» ويستثمرون صدى الحروب الاهلية في بعض دول المنطقة العربية.. يساندون من يديرون الصراعات ويخلقون المنزلقات والفخاخ ويزيدونها سعيراً، ومعهم من يتعطشون بجشع الى الغذاء الطائفي ولا يجدون لهم مهمة او وظيفة غيرها..!!
علينا ان نفعل الكثير، فعلا مطلوب منا ومن من كل قوى المجتمع التى لم تتلوث، مطلوب الكثير، ذلك لمجرد البداية، قلنا ذلك مراراً ولن نمل من تأكيد هذه الحقيقة، مع قناعتنا بانه ليس من المصلحة انتظار غودو طويلاً..!!!
28
يوليو 2015