هذه هي الحقيقة التي عرفناها من خلال معرفتنا بواقع العمل السياسي وتعمقنا في جذور مسألة النضال لرفاقنا عبر مراحل عديدة مع نضال شاق في صفوف الطبقة العاملة البحرانية والذي وصل لمرحلة النضوج حتى ان تبلورت فكرة ضرورة تأسيس النقابات العمالية خصوصاً مع التطور الفكري في صفوف العمال واكتساب المهارات في مسألة النضال المطلبي في صفوفهم والتحركات التي حدثت خصوصاً في شركة بابكو من عام 1938 الى عام 1942 بحيث ان هذه المرحلة قد نضج فيها الوعي النقابي من خلال سلسلة الإضرابات والاحتجاجات ذلك نتيجة لظروف العمل الشاق والاستغلال البشع ضد العمال وجعلهم في ظروف عمل سيئة وتدني الأجور وظلم وتعسف المسؤولين الأجانب والظلم الاجتماعي.
في هذا السياق سوف يأخذنا الحديث عبر محطات مضيئة من تاريخ نضال الطبقة العاملة البحرانية خصوصاً بعد أن تشرب العمال بالوعي الوطني والذي مهد لاكتساب الوعي النقابي ذلك مع التلاقي والتحالف والترابط بين الحركة العمالية والحركة الوطنية البحرانية وهو قد ساهم في بروز ملكات الوعي الفكري في صفوف العمال ثم وجود عناصر لها صلة بالأفكار اليسارية ذلك في صفوف العمالة الوافدة حتى ان أصبحت ضرورة تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية الفصيل المناضل الماركسي وحدث ذلك في 15 من فبراير عام 1955.
وقد ساهمت جبهة التحرير في دفع عجلة النضال في صفوف العمال وبشكل منظم عوضاً عن التحركات العفوية او الفردية.
وفي هذا الصدد أقرت السلطات البريطانية مع حكومة البحرين آنذاك بشرعية مطالب العمال في أحقية تأسيس النقابات العمالية ذلك مع اشتداد ضرورة النضال العمالي والوطني في سنوات الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي بحيث كانت التحركات الوطنية والعمالية قد أجبرت سلطات الانتداب البريطاني وحكومة البحرين على الموافقة على اصدار قانون العمل عام 1957 والذي جاء ثمرة لنضال شعب البحرين وفي المقدمة الجماهير الكادحة ثم كان قانون العمل يعتبر من القوانين المتقدمة على الأقل في منطقة الخليج العربي بحيث كان احد الافراد المشاركين في كتابة المسودة وهو من الخبراء الانجليز والذي كان ينتمي لحزب العمال البريطاني وهو الذي قد ساهم في تمرير مسودة القانون الذي نص بضرورة ان يكون للعمال حق تشكيل النقابات وكان ذلك لأسباب عديدة أولها عدم تشكيل خلايا سرية للعمال تتحول الى الجانب السياسي ثم من اجل حصر المطالب العمالية وجعل النقابة هي المخولة للتفاوض مع أرباب العمل بدلاً من شيوع الفوضى العارمة في حالة الاضراب او الاحتجاج، كما أن الأنشطة النقابية العلنية تعطي للنشطاء من العمال حق التحرك بحرية، متفادين الملاحقات والمضايقات او الفصل التعسفي ومن اجل ان يكون الجميع يعمل تحت مظلة القانون.
إلا أن المماطلات من قبل السلطات في البحرين آنذاك وإصرارها على عدم قبولها بتشكيل النقابات العمالية حسب نصوص قانون العمل قد حرم العمال من تأسيس نقاباتهم في تلك الفترة.
أيضاً أن التعليم المبكر في البحرين قد ساعد في أن يخرج عمال مهرة متعلمون وقد استطاعوا أن يواكبوا مسار التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي خصوصاً مع فتح المدارس الصناعية، هذا الجانب قد ساهم في خلق كوادر عمالية ونقابية مثقفة واعية ومدركة لكل الأمور والتطورات خصوصاً من آمنوا بالأفكار الماركسية.. أيضاً كانت الحركات الوطنية قد ساهمت في ابتعاث الشباب في صفوف الحركة العمالية الى خارج الوطن لتلقي التعليم الأكاديمي والسياسي وعلوم الحركة الشيوعية والعمالية في العالم واتقان الادبيات للحركة النقابية خصوصاً في الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، وقد لعبت هذه الكوادر العمالية مع القوى الوطنية اليسارية أدوار مؤثرة في صفوف العمال وسائر الكادحين.
وقد لعبو أدوار ناجحة في إنجاح الانتفاضة الشعبية العارمة في الخامس من مارس عام 1965 وفي عام 1968 تشكلت أول نقابة في إدارة الكهرباء ومن ثم حاولوا العمال أن تسجل على شكل رسمي إلا أن المراوغة والخوف من افساح المجال لتأسيس نقابات عمالية كان هو الهاجس للسلطات وأن المنع هو سيد الموقف في عدم أعطاء الحق للعمال بتأسيس النقابة حسب ما ينص عليه قانون العمل لعام 1957.
وقد تواصل النضال في صفوف العمال ودخول مرحلة السبعينات من القرن الماضي والذي أبدت فيه الطبقة العاملة الزخم في الأنشطة العمالية وأصبحت الإضرابات والاحتجاجات لا تنقطع في أعوام 1970 الى عام 1974 والذي تشكلت فيه النقابات الأربع وهي نقابة البا والكهرباء والعاملون في وزارة الصحة ونقابة الانشاء والتعمير ذلك في فترة الانفراج والعمل بدستور عام 1973 وقيام المجلس الوطني الذي كان لبعض من الأعضاء فيه الفضل في دعم العمال والتوجه النقابي وهم نواب من كتلة الشعب اليسارية الا ان رفض الحكومة الاعتراف بهذه النقابات قد ساهم في تأجيج الوضع والذي على أثره قد أقدمت السلطات على غلق المجلس الوطني وتنفيذ مشروع قانون امن الدولة وقد أصبحت الحياة السياسية في البحرين من الانفراج الديمقراطي الى دولة القمع الوحشي ضد المعارضة الوطنية وقد طال البطش الكوادر العمالية مروراً بسنوات 1976 و 1986 مع ازدياد حالات القمع وعلى أثر ذلك عانت الطبقة العاملة من قساوة القمع ثم عملت الدولة في سياسة اغراق البلد بالعمالة الوافدة ومحاربة العمالة الوطنية، وها نحن اليوم نعيش في وضع مع القانون الجديد لوزارة العمل الذي لا يعطي الفرصة في العمل للمواطن وأصبحت سلطة ارباب العمل هي المسيطرة، نعم في ظل الاتحادات العمالية والنقابات لكن ليس فيها الزخم الذي كان موجود سابقاً في سنوات النضال الوطني في البحرين والذي قد ساهم في بروز كوادر عمالية من الطراز الجديد.
الكاتب: جواد المرخي
من نشرة ” التقدمي” العد 92
يونيو 2015