صوت أعضاء مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 5 مايو 2015 على عدم جدية الاستجواب الذي تقدم به 26 نائبا في مواجهة وزير الصحة ، على الرغم من توصية اللجنة المشكلة من رؤساء ونواب رؤساء اللجان النوعية بجديته ، إذ صوت فقط لصالح جدية الاستجواب 23 نائبا في حين أنه كان يحتاج إلى ثلث الاصوات إي 27 نائبا وذلك حسب التعديل الذي أقره مجلس النواب في فصله التشريعي المنصرم على اللائحة الداخلية في المادة (145) مكرراً (1) الفقرة الثالثة التي نصت ( ويعرض تقرير اللجنة على المجلس في أول جلسة تالية لإعداده للتصويت عليه دون مناقشة، وفي جميع الأحوال لا يعد الاستجواب جدياً إلا إذا وافق على ذلك ثلثا أعضاء المجلس ) .
وهذا يعني كما كتب منصور الجمري بحق في مقاله بعنوان (الوأد الصامت بواسطة القرارات واللجان ) ( إنّ الاستجواب الذي يمثل حقّاً أصيلاً وغير قابل للنقاش لأيِّ برلمان في العالم، له قصة مختلفة عندنا، وتتولى وأده الإجراءات واللجان، تماماً كما هو الحال مع المعاملات الكثيرة التي تلاقي الموت الصامت) . أنظر صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4624 – الأربعاء 06 مايو 2015م .أو كما كتب قاسم حسين في نهاية مقاله المعنون (هل تفاجأتم من سقوط استجواب وزير الصحة؟ ) إذ اشار إلى أنه ( بسقوط استجواب وزير الصحة، الذي تعاني وزارته من كل هذه المشاكل والأزمات، تكون صفحة الاستجوابات قد طُويت نهائياً من هذا البرلمان.) . أنظر صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4625 – الخميس 07 مايو 2015م
نعم أن استجواب الوزراء له قصة مختلفة في مملكة البحرين ، وأننا لم نتفاجأ بسقوط استجواب وزير الصحة ، ذلك أن بعض الاحكام التي نصت عليها اللائحة الداخلية لمجلس النواب بما فيها تلك الاحكام المتعلقة بالاستجواب ليس لها مثيل في تشريعات العالم بل في الدول الاقليمية المجاورة .
رغم أن الاستجواب كما هو مقرر في الفقه الدستوري وفي النظام البرلماني يعد من أهم وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة ، إذ يحقق رقابة فعليه للبرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية ، وهو يعني محاسبة الوزير واتهامه في الوقت ذاته ، وقد يؤدي إلى تحريك مسئوليته السياسية بطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة ، والاستجواب على عكس السؤال يفتح مناقشة حقيقية لا يشارك فيه مقدمو الاستجواب وحدهم بل سائر الأعضاء .
وقد أكدنا في مقالات سابقة على أن ثمة إيجابيات نسبية جاءت بها التعديلات الدستورية الصادرة في 3 مايو 2012 بشأن الاستجواب وجوهر ومضمون هذا التعديل ما نصت عليه المادة (65) من الدستور بأن جعلت الأصل في مناقشة الاستجواب تتم في المجلس بدلا من اللجنة المختصة إلا إذا قرر أغلبية أعضائه مناقشته في اللجنة المختصة .وإذا كنا نرى أن هذا التعديل الدستوري يعد خطوة متقدمة عما كان معمول به ، إذ كانت مناقشة الاستجواب تتم فقط في اللجنة المختصة فأصبحت مناقشته بعد تعديل الدستور في المجلس ملك لأعضائه ، فأن هذا التعديل ظل متعارضا مع ما هو مقرر في الفقه الدستوري وفي القوانين المقارنة التي نصت على ان مناقشة الاستجواب لا يكون في اللجان بل في المجلس النيابي ، كما هو الحال على سبيل المثال في الكويت ، الاردن ، مصر ، البحرين في مجلس 1973 .
وعلى الرغم من الأهمية الايجابية في تعديل المادة ( 65 ) من الدستور بشأن الاستجواب ، لكن تعديلات اللائحة الداخلية لمجلس النواب قد قيدته وقللت من هذه الأهمية حين وضعت إجراءات طويلة للاستجواب حتى يصل لمرحلة المناقشة في المجلس أو اللجنة المختصة حسب الأحوال .غير أن الطامة الكبرى التي محت ونالت من الايجابية النسبية التي أوجدتها التعديلات الدستورية المذكورة ، هي قيام مجلس النواب بتقييد نفسه حين اقترح تعديل المادة (145) مكرراً (1) الفقرة الثالثة فأصبحت بموجب قانون هكذا ( ويعرض تقرير اللجنة على المجلس في أول جلسة تالية لإعداده للتصويت عليه دون مناقشة، وفي جميع الأحوال لا يعد الاستجواب جدياً إلا إذا وافق على ذلك ثلثا أعضاء المجلس ) .وهي سابقة لا مثيل لها على الإطلاق وجاءت بالمخالفة للدستور الذي حدد بنصوص صريحة وواضحة الحالات التي تشترط أغلبية الثلثين .
وبالرجوع لنص المادة ( 80 ) من الدستور نجد أنها حددت بوضوح النصاب الذي تصدر به القرارات التي تصدر عن المجلسين وهو الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها أغلبية خاصة أي أغلبية الثلثين ، وقد حدد الدستور بوضوح الحالات التي يشترط فيها الأغلبية الخاصة ( الثلثين ) وليس من بينها ما نصت عليه المادة المعدلة من اللائحة الداخلية بعدم اعتبارالاستجواب جدياً إلا إذا وافق على ذلك ثلثا أعضاء المجلس ، وللتوضيح نشير إلى حالات الأغلبية الخاصة التي نص عليها الدستور على سبيل الحصر ولا يجوز للقانون العادي أن يخالفها أو يتوسع فيها كما يلي :
حالة اعتراض الملك على مشروع القانون
المادة ( 35 البند د ) من الدستور تقضي بأنه إذا رد الملك مشروع القانون المحال إليه من المجلسين للتصديق عليه لإعادة النظر فيه ، فأن هذه المادة نصت على أنه ( إذا أعاد كل من مجلس الشورى ومجلس النواب أو المجلس الوطني إقرار المشروع بأغلبية ثلثي أعضائه ، صدق عليه الملك ، وأصدره في خلال شهر من إقراره للمرة الثانية ) .
حالة عدم الثقة بأحد الوزراء
المادة ( 66 البند جـ ) من الدستور نصت على أنه إذا قرر مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ، ويقدم استقالته فورا .
حالة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء
تنص ( المادة 67 البند د ) من الدستور على أنه إذا أقر المجلس الوطني بأغلبية ثلثي أعضائه عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر إلى الملك للبت فيه ، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة ، أو بحل مجلس النواب.
حالة سقوط العضوية لأي عضو من أعضاء المجلسين
تشترط ( المادة 99 ) من الدستور لسقوط العضوية في حالات انعدام الأهلية أو فقد الثقة والاعتبار أو أخلال بواجبات العضوية. لأي عضو من أعضاء مجلسي الشورى والنواب أثناء عضويته أن يصدر قرارا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الذي هو عضو فيه.
حالة تعديل أحكام الدستور
تشترط المادة(120 البند أ ) من الدستور لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من مجلس الشورى ومجلس النواب ، وأن يصدِّق الملك على التعديل، وذلك استثناء من حكم المادة ( 35 بند ب ، ج ، د ) من هذا الدستور .
مما تقدم يتبين أن الدستور لم ينص على أغلبية خاصة ( الثلثين ) لإصدار قرار من مجلس النواب بجدية الاستجواب من عدمه ، وأن هذه الأغلبية حصرها المشرع الدستوري في الحالات المشار إليها دون غيرها ، ومن ثم فأن نص المادة (145) مكرراً (1) الفقرة الثالثة من اللائحة الداخلية التي نصت على عدم اعتبار الاستجواب جدياً إلا إذا وافق على ذلك ثلثا أعضاء المجلس . جاء مخالفا لإحكام الدستور يتعين إعادة النظر فيه .
المحامي / حسن علي إسماعيل
من نشرة “التقدمي” العدد 92
السنة الثالثة عشرة – يونيو 2015