المنشور

البحرنة “حين تفرغ من مضمونها ..!!

حتماً هناك خلل، والحديث هنا يخص تحديداً مشروع، بل مشاريع البحرنة، بدءاً من مشروع عشرة آلاف متدرب، مروراً بمشروع إصلاح سوق العمل، او مشروع ماكنزي، هل تذكرون ..؟!
 
تعالوا نتأمل، ولنتابع، وندقق، والخلاصة احسب انها ستكشف ان الكلام عن البحرنة شيء، والحديث عن الواقع والوقائع شيء آخر مختلف كلياً ..
 
عندما نقرأ عن مرجع مسؤول، والمعني هنا رئيس مجلس ادارة تمكين، اعترافاً صريحاً نقدره بان البحرنة فشلت ..!! ، ويقول في موضع آخر، انها تتناقض مع مبدأ الحرية الاقتصادية ، وذلك كلام لم يخضع من جانب من يفترض انهم معنيين لأي وقفة او تحليل .. أما وزير العمل فقد صرح مرة بان البحرنة حققت التوازن وساهمت في أعداد العمالة الوطنية، وقبلها يؤكد بان الاهتمام بالعنصر البشري الوطني ضمن اهم أولويات المرحلة الحالية والمستقبلية، ثم يعلن بان وزارة العمل قامت بأكثر من ٢٤ ألف عملية “تثبيت توظيف” للبحرينيين في ٢٠١٤، تراوحت رواتب معظمهم بين  ٢٥٠ ديناراً الى ٢٩٩ ديناراً ..! ، ثم وجدناه  يحذر من “ان نصف البحرينيين سيفقدون اعمالهم في منشآت القطاع الخاص لو تخلينا عن البحرنة” ولا ينسى ان يلفت انتباهنا الى ” انه من دعاة ومؤيدي البحرنة، ولكن ليس البحرنة القسرية التي تفتقد المرونة الكافية لمراعاة اصحاب الاعمال ” ،وقبل هذا وذاك خرج علينا مجلس الشورى موجهاً الدعوة الى عدم إعطاء العامل البحريني الأفضلية عن العامل الأجنبي حتى وان تساويا في الكفاءة ..!
 
كل ذلك كلام منشور وموثق باليوم والتاريخ والمناسبة ويمكن الرجوع اليه في اي قت ، وهو كلام  ما كان يفترض ان يمر مرور الكرام، وكنا ننتظر ممن يمثل العمال، وكل المعنيين بشأن البحرنة ان يكون لهم موقف واضح، خاصة حين يكون الأمر امام محاولة تفريغ مفهوم البحرنة من مضمونها، او استنزاف  لهذا المفهوم بهذه الحجة او تلك .
 
من يستذكر كل ما قيل وكتب وذلك الكم من التوجهات والخطط  والمشاريع  والبرامج والاستراتيجيات، والتى  كلها تتصل باستحقاق البحرنة، التي عرضت او طرحت على مدى سنوات مضت، يذكر كيف كان  “الردح ” على أعلى المستويات بدءاً بما عرف في البداية بمشروع ماكنزي الذى اطلق في عام ٢٠٠٤،والذى عرف لاحقاً بالخطة الوطنية لإصلاح سوق العمل، وهو المشروع الذي ظهر وكأنه في ركب تائه في محيط هائج ، ولعلكم تذكرون ذلك الفيض  الغزير من ردود الأفعال التي تراوحت بين شذ وجذب على هذا المشروع او ذاك، وذلك الكم من الالتباسات والاعتراضات والتوضيحات، والاجتماعات والدراسات والأبحاث التي على كثرتها واختلاف الجهات التي قامت بها،  تكاد ان  تكون متفقة تماماً على إصلاح سوق العمل، من وجهة نظر تجعل البحرينى خياراً استراتيجياً، وهو الهدف ذاته الذى تبنته ما عرف برؤية البحرين الاقتصادية ٢٠٣٠، وهى التي ربطت هذا الهدف بإصلاح منظومة التعليم والتدريب، ولكن المشكلة ان هذا مشروع إصلاح سوق العمل لم يكتمل البنيان لا في ذلك الزمن ولا في هذا الزمن، لا في الأساس ولا في البناء، لا في التوجه ولا في التوجيه ولا في المسار، والمشكلة الأكبر ان عقلية المراوحة، او التردد، وربما تعارض الروئ والمصالح، فاقمت المعوقات والإعاقات والتشوهات في سوق العمل وحولتها الى .. مصائب ..
 
نعم مصائب حين تمر كل هذه السنوات ولا زالت الرؤية الواضحة غائبة او مغيبة فيما يخص البحرنة، الى الدرجة التي بتنا نشهد فيها احتفالات تقام و توزع فيها جوائز تمنح للمؤسسات التي تفوز بنسب عالية في البحرنة، وكأن ما يفترض انه القاعدة قد  اصبح استثناء  نحتفى ونتباهى به ..!!، بل والأدهى والأمر اننا لانزال نتحدث عن بطالة في صفوف البحرينيين ، وبصرف النظر عن نسبتها، والأرقام التي يتم تداولها في هذا الخصوص، وهى أرقام متعارضة أحياناً، الا ان البطالة في أوساط ابناء البلد موجودة، والباعث على الأسى انها تشمل حملة شهادات عليا من أطباء ومهندسين وطيارين وغيرهم ..
 
ملف البحرنة هو اليوم أعمق مما هو متصور، ومما هو متداول، وأكبر من أن يوكل الى وزارة بعينها ، فالمعضلات والتحديات، ومعهما مصالح بعض الاطراف المستفيدة والمستثمرة  من استمرار هذا الوضع وادارة الظهر لأي مخرج حقيقي وفاعل، أمر يفرض وضع هذا الملف في صدارة الأولويات التي لابد  أن ترتكز على قرار سياسي يدفع الحكومة الى تحمل مسؤولياتها في تحقيق افضل النتائج فيما يخص هذا الملف ، وهو هدف نحسب انه يجب ان يقترن أولاً بقناعة توفر  القدر اللازم من الجدية ، وبعضاً او كثيراً من المراعاة للمصلحة  الوطنية العليا، ويقترن ثانياً بشجاعة الإقرار بالحال المؤسف والمقلق الذي بلغه سوق العمل البحرينى، إذ يكاد يبلغ القعر مع طغيان المصالح الخاصة على حساب المصلحة الوطنية التي هوت من عليائها، ليس بالضرورة بنية سيئة دائماً، بل وربما أيضاً التخبط وافتقاد الرؤية والثبات اللذين يفرضان فرضاً هدف جعل البحريني خياراً استراتيجياً ، فيما هناك من يدفع الى اغراقنا فى الضحالة الجافة لمفهومها والازدراء المقزز فى التعاطي معها ، ولعلكم تذكرون ذلك الانقسام القريب  “بين النواب بين مؤيد ومعارض حول مقترح بقانون حول بحرنة الوظائف بالحكومة  خلال ٥ سنوات”، فذلك مجرد صورة من صور التخبط والتخاذل حول ملف وطني بامتياز لم نخوض غماره كما يجب وبشكل يبرهن برهاناً حياً ان البحرنة على الصعيد الميداني هي فعلاً خيار استراتيجي لا غنى عنه ولا تفريط ويحسب له ألف حساب .
 
 معضلة ان نبقى نمضي عكس السير ونظل نزعم اننا نحقق تقدماً على صعيد البحرنة، فيما واقع الحال الجميع أدرى به، أليس كذلك ..؟!!


 
الكاتب : خليل يوسف
من نشرة “التقدمي” العدد 92
السنة الثالثة عشرة – يونيو 2015