المصطلح أعلاه هو الترجمة التقريبية للمفهوم الذي صاغته النخب السياسية الحاكمة في ماليزيا بزعامة مهاتير محمد، ومن خلالها سعى لإدماج الإسلام في البنية السياسية والمجتمعية، بصورة لا تتعارض مع مقتضيات العصر وموجبات التنمية. واستطاع الماليزيون أن يقدموا نموذجاً ناجحاً في التطور الاقتصادي والتحول المجتمعي، اقتدت به بلدان أخرى في آسيا، وبرهنوا من خلاله أنه بالوسع تحرير صورة الإسلام مما لحق بها من تشويه في المنطقة العربية، بحيث قرنت بالإرهاب ومعاداة الديمقراطية.
بعض الباحثين عزا ذلك إلى الطريقة التي دخل بها الإسلام إلى المناطق الآسيوية النائية، عبر التجار العرب، الآتين من حضرموت اليمنية خاصة، حيث استطاعوا إقناع النخب السياسية الحاكمة هناك باعتناق الإسلام، ما أدى إلى أسلمة مجتمعات بكاملها بسهولة، والمزاوجة السلسة بين التقاليد المحلية الموروثة والمبادئ الإسلامية.
حين يجري الحديث عن علاقة الإسلام بالديمقراطية يحصر كثير من الباحثين اهتمامهم في التجربة التركية، فلا يجري تسليط الضوء على حقيقة أن نموذج الإسلام التركي فرضته تجربة التحديث الأتاتوركي، التي لم يكن بوسع الإسلام السياسي التركي الحاكم حالياً أن يقفز على شروطها التي ترسخت في بنية المجتمع وفي المنظومة السياسية القائمة هناك، أي أن الحداثة التركية ليست من صنع الإسلاميين الحاكمين اليوم، الذين حاولوا التحايل عليها بتقديم نسخة خاصة بهم، من دون أن يفلحوا في إخفاء أجندتهم الحزبية التي لا تختلف، جوهراً، عن أجندات الإسلام السياسي .
في التجربة الماليزية لسنا إزاء نسخة أخرى من الإسلام السياسي، وإنما إزاء تجربة ناجحة وخلاقة برهنت على أن الإسلام، من دون غائية سياسية أو حزبية، يمكن أن يتعايش مع الحداثة والديمقراطية في مفهومها الحديث، وأنه يمكن توظيف التقاليد المحلية والثقافة الوطنية والمزاج المتدين للمجتمع في تحقيق تنمية راسخة.وجرى ذلك بأقل قدر ممكن من التوترات السياسية والاجتماعية، بحيث لم تواجه ماليزيا الانفصام الذي نعرفه في المشرق العربي بين الحداثة والتقاليد الموروثة، ما يقطع بأن المشكلة ليست في الإسلام، كما يتوهم البعض، إنما في سوء أداء النخب السياسية.
23/07/2015