تشيخوف هو الكاتب الذي يمكن أن نقرأه في الصيف وفي الشتاء، في الليل وفي النهار، حزانى كنا أو فرحين، يائسين أو متفائلين، في سنوات الشباب أو في سنوات النضج والكهولة. تشيخوف رفيق أرواحنا في كل الحالات، لذا لا نحتاج لذرائع أو أسباب كي نعود إليه كلما أردنا أن نمنح أرواحنا جرعة من الأمل أو المتعة. نعود إليه لأنه تشيخوف فحسب، ونعود إليه لأننا لا يمكن ألا نقع في حب ما يكتب، سواء كنا نقرأه أول مرة، أو في كل مرة نعود فيها إليه.
مع ذلك تأتي بعد المحفزات التي تجعلنا نهرع إليه. من ذلك أني شاهدت على التلفاز، مؤخراً، فيلم «القارئْ The Reader»، وقد يسأل سائل: وما علاقة تشيخوف بالفيلم وقصته؟. سؤال في محله، إذا علمنا أن الفيلم يحكي قصة بطليها فتى في الخامسة عشرة من عمره، وامرأة في عقدها الثالث، يرتبطان بعلاقة عاطفية غريبة، تبدأ أحداثها في ألمانيا بعد إنهاء الحرب العالمية الثانية بأكثر من عشر سنوات وتستمر حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، وتعالج موضوعاً له علاقة بعقدة الذنب الألمانية تجاه المأساة النازية، فأين تشيخوف من هذا؟
تشيخوف يحضر من خلال الباب الإنساني المرهف عبر قصته الرائعة «السيدة صاحبة الكلب»، وهي واحدة من أجمل قصص الحب في الأدب الكلاسيكي الروسي، التي كان بطل الفيلم يقرأها للمرأة التي يحب، التي سنكتشف بعد حين أنها أمية لا تعرف القراءة والكتابة، وكي تتغلب على ذلك كانت تطلب منه أن يقرأ لها الكتب، متذرعة بأنها تحب سماع صوته وهو يقرأ.
في لحظة درامية يعرفها من شاهد الفيلم تقرر المرأة وقد باتت سجينة أن تتعلم القراءة، وكان أن تبدأ، وهي تحاول فك الحروف بقصة تشيخوف تلك، التي تعرفنا إلى ما الذي بوسع الحب أن يفعله في النفس البشرية، حين يحررها من التوافه، ويسمو بها نحو أعلى المدارج.
لماذا تشيخوف بالذات؟
جواب مناسب على هذا السؤال نجده عند السينمائي انغمار برغمان الذي قال «إن الفن عند تشيخوف هو أشبه باختراق أعماق الحياة من خلال جدران صماء عالية»، وجواب مشابه نجده عند مواطنه تولستوي الذي وصف تشيخوف بأنه «فنان الحياة الذي لا يُقارن به أحد. إن قيمة إبداعه تكمن في أنه ليس مفهوماً وقريباً جداً من كل روسي فحسب، بل من سائر البشر في كل أرجاء العالم».
20/07/2015