هنيئًا لكل من لديه بقية عقل وخميرة من ادراك يجعلانه بمنأى عن هذا «البازار» الكبير من الانحطاط الذى اوصلنا الى ما بات يشكل حرباً على الذات، باسم الدين، او الطائفة او المذهب، هنيئاً لهؤلاء الذين لا يحتاجون الى مساعدة من احد لكي يفهموا ويستوعبوا دوافع هذا الاستهبال والاستسهال في تكفير الناس بالصوت والصورة، واذا كان هناك من يتجاهل او يجهل – لم نعد نعرف – بان هناك من لهم حسابات، يخططون ويتواطؤون من اجل ان نستسلم وان نمضي في حروبنا التقسيمية .. «جولة»، بل «جولات» من الجهالة، جهلاء يتعصبون لجهلهم، هذا الجهل الذى يريد أسلمة المسلمين ، وإعطاء شرعية تكفيرهم ، وإشاعة ثقافة التكفير وتكفير التفكير، اذا لم تمضِ الامور على هوى متطرفين يظنون بانهم يفعلون مايستحقون عليه ثواباً، ويرون ان مخالفتهم معصية، وكم هو بالغ الأسى حين نسمح او نتجاهل او نصرف النظر او نسكت لجاهل يتعصب لجهله، او لجاهل يوصم الارهاب بطائفة وليس بجماعة متطرفة، أولمشاعر سلبية من نوعية التربص والعدوانية واثارة الغرائز الطائفية والنعرات المذهبية والغرق في المزيد من المصطلحات التي يراد منها ان يشعر كل منا بانه لا وجود له الا بإلغاء الآخر، ينبذ الآخر، يخوّنه، يكفره، وكأننا جميعاً نقف خلف إسلام لا نعرفه ..!!
هل يمكن لأي منا – مثال ليس إلا – ان يحصي عدد ما يتم تداوله من كلمات رائجة هذه اﻻيام من نوع «كافر»، و»كافرون» و»كفار» و«زنديق» و«زنادقة»، وفي ظل هذه الكلمات وغيرها التي تضرب وتجيّش النفوس وتفرز إرهاباً تلو إرهاب يحصد بلا هوادة أرواح البشر، حتى وهم في المساجد يصلون ويسجدون، هذا ما وجدناه يحدث في دول مجاورة، وما أريد له ان يحدث عندنا، لاحظوا عندما يثور نقاش في شأن وطني، او شأن عام، او شأن من شئون المجتمع والناس وتتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، لاحظوا ما يطرح في بعض شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في بعض المنابر الدينية، هل لاحظتم كيف يطأفن هذا الشيء، او يأخذ بعداً يكرس حالة الانشطار، او يأخذ منحى يسارع فيه البعض الى استسهال تكفير كل من يخالفهم في رأي او اجتهاد، حتى مشروع الصلاة المشتركة بين ابناء الطائفتين الكريمتين اللتين أقيمتا فى جامعي عالي والفاتح على التوالي، والتي شكلت مبادرة طيبة تستحق التقدير والتأييد والدعم، وهي مبادرة من مبادرات ومشاريع نفترض ان يتسابق عليها من ينشدون خيراً للوطن، خاصة حين يكون الهدف منها نبذ التعصب والعنف وتعزيز الوحدة الوطنية، وتحدي الانقسام ووأد الفتنة وتحصين البيت البحريني، والحيلولة دون ان نغرق في مفردات التطرف والتمذهب، حتى هذه الصلاة الموحدة ظهر من لا تعجبهم دعوات الوسطية الدينية، وممن لا يروق لهم الأهداف المرجوة من هذه الصلاة، من نفعيين ووصوليين ومتاجرين بالدين والذين برعوا في تحويل الأزمات الى فرص، ممن يخشون الصهر الوطني الحقيقي، شككوا في جدواها، وفي دوافعها، والأسوأ حين ذهب البعض في غلوائهم الى حد تأكيد عدم جواز مثل هذه الصلاة، والأسوأ من ذلك حين لم يتردد بعضهم ولو بالهمز واللمز الى تكفير من شاركوا في هذه الصلاة الموحدة، وكأنهم خلعوا انفسهم من الإسلام، والأسوأ من هذا وذاك، انهم يوردون آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، ويعرضون أحداثاً من التاريخ، ويخلطون الأوراق بعضها ببعض لكي يقوموا بدورهم الفاعل في بث وإشاعة المنغصات التي يراد منها تشويه كل جهد طيب، وعرقلة لم الشمل وترسيخ حالة التفكك والانشطار بين ابناء الوطن الواحد واعتبار الصلاة الموحدة مشروع تلاقي ظاهري مغلفاً بكلمات «توحيد، وتضامن، ووحدة وطنية»، بل يذهب أحدهم الى القول انها «مجرد شحنة شعورية ذات طابع زمني محدد، ومن ثم يعود كل شيء الى وضعه، او حقيقته بعد زوال الانفعال، وكأن شيئاً لم يكن»، شككوا في «الصلاة الموحدة»، كما شككوا واستهانوا واستخفوا بكل خطوة، وكل مبادرة استهدفت تخفيف الاحتقان والحفاظ على اللحمة الوطنية، وليتهم يكتفون بذلك، بل وجدنا من الطرفين من هو مستمر في التأجيج والتعبئة والتحريض وكل ما يبعث على النزاع والشقاق والخصام، يفعلون ذلك بالصوت والصورة والنص أيضاً ، واللبيب يفهم ..!!
لنفوت الفرصة عليهم، ولندعم ونشجع ونتبنى ونقف خلف كل بذرة صالحة يراد منها رأب الصدع، وكل خطوة تدفع باتجاه توحد المواطن مع الوطن، وتبعد عنا الأحقاد والتخلص من كل أزمة او محنة ماحقة تنهكنا وتكبلنا باغلال الطائفية والمذهبية، وتعيقنا من الانطلاق الى رحاب المواطنة الخلاقة التي تحررنـا مـن وضعيـة الرهينـة او الرعيـة او التبعيـة لمـن يصـرون على تكبيلنا بهـذه الأغلال ..!!
14 يوليو 2015