حقيقةً بعض من الاوقات نسمع يقال بأن هناك احداً قد كان في الصفوف الامامية في وسط هذا الحزب او ذاك’ ثم ما لبث الامر واذا به قد تخلى عن ذلك وكأن الامر فيه من عجب!!!
في الواقع ان للمتتبع في مثل هذه الامور يرى ان التجارب قد اثبتت ان لدينا واقع جديد يجب معرفته وبدون هواجس وهو الان موجود فى خضم التحولات السياسية و الاجتماعية على الساحات الاقليمية و الدولية, و منها العربية ذات التازيم السياسي الحاد من المحيط حتى الخليج العربي في صلب المواقف الصهيونية الامبريالية الرجعية, التي هي اليوم تتحكم عبر انظمة عربية مطاوعة وناقلة لهذه السياسات التي تشكل عمق التحولات و الافكار و العقائد, و الظواهر الجديدة والتي كلها اصبحت مستجدات لابد وانها قد اربكت العديد من السياسيين خصوصا من لا يمتلكون سمة الوعي السياسي, و الذين يعانون من الضعف النظري, ذلك نتيجة لعدم تمكنهم من استيعاب الاسس الفكرية للنظرية الماركسية, و خصوصا من تخلوا عن الثوابت الوطنية و التي بدورها قد ادت الى عجزهم عن مواصلة النضال في صفوف الجماهير و ذلك لاسباب مختلفة.
وعليه فأن هناك شخصيات وطنية قد اثرت فيها الظروف الموضوعية الجديدة, و ايضا الظروف الذاتية التي دائما تتاثر بها الحركات العفوية في وسط الجماهير, و منهم الشخصيات الوطنية الغير قادرة على فهم الثوابت الوطنية بشكل صحيح, وهذه سمة تعاني منها العديد من الاحزاب العربية و منها اليسارية, خصوصا تلك الاحزاب التي تعاني من نواقص تنظيمية و جماهيرية, و احياناً الافتقار للكوادر و القيادات المختلفة و منها السياسية التي يجب ان تتمتع بقوة الشخصية المؤثرة ”الكاريزما”.
فى هذه الحالات تبرز الخلافات ومن ثم تظهر التوجهات للميول للمزيد من التذبذب و الانهزامية, و احياناً الفوضوية و الانتهازية, وهنا تتعثر القناعات لذا البعض حتى ان تصل لمستويات قد لا تصدق من الانحدار الذي يؤدي للابتعاد عن الحراك الوطني و الجماهيري.
حقيقة لقد اشرت فى موضوع سابق بعنوان ” اليسار و مهمة النضال من خلال الايمان الحقيقى بأهمية تغيير الواقع لصالح الجماهير “ بأني سوف اتطرق لموضوع اهتزاز القناعات فى صفوف الوطنيين و منهم المناضلين حتى من الذين لهم تاريخ يحسب لهم, لكن احيانا ان التاريخ لا يستطيع ان يحصنهم من الانزلاق و الانحراف, وانا هنا اتحدث من خلال تجارب طويلة في العمل السياسي ذلك منذ بداية الانشطة في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية ابان العمل السري و الذي من خلاله قد اكتسبنا الخبرة التنظيمية و الحزبية و الجماهيرية و العمالية, وقد تكونت لدينا معارف في العلوم السياسية و الوطنية والنقابية, و قد تعرفنا على سلوكيات عديدة من خلال علاقاتنا برفاق كثرين منهم من اكسبونا الفهم و المعرفة وعمق الثقافة, و زرعوا عندنا الثقة بالنفس, وشجعونا على ان نمسك القلم ونكتب, و دربونا على اهمية القراءة خصوصا فى الكتب النظرية المتوفرة لدينا انذاك, وقد غمسوا فينا حب الوطن وحب الشعب وحب التضحية في سبيل القضية , وقد عرفنا الكثير منهم.
ومن خلال العلاقات المختلفة مع كوادر حزبية و اعضاء مختلفين في الشخصية و السلوك لكنهم متفقون على السير في طريق النضال الوطني, وشاهدنا العديد منهم الذين صبروا فى ساحة النضال حتى ان رحلوا, وفي قلوبهم الامل بالانتصار و تحقيق الاهداف الاشتراكية, و اخرون قد تخلفوا عن السير فى الطريق لاسباب عديدة جعلت من قناعاتهم تهتز.
نعم هذه مرحلة تاريخية عشناها فى صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية, و التي قد اكتسبنا من خلالها المعرفة وشكلت عندنا القناعة انه ليس بالضرورة ان يصل المناضل لاخر المطاف, وها نحن بعد القيام بتاسيس التقدمي الذي هو الامتداد التاريخي لحزب جبهة التحرير الوطني البحرانية, قد حدث نفس العمل فى مسالة اهتزاز للقناعات, فهناك من امن بمواصلة الطريق و اخرون قد تخلوا عبر فترات من الزمن عن العمل الوطني و في المقدمة شخصيات و كوادر حزبية كانت قيادية ان كان على المستوى الداخلي او الخارجي.
هنا احاول ان ابين بعض من الاسباب التي تؤدي الى زعزعة الثقة عند المناضل بشكل عام ليصل لمرحلة الاختلال في القناعات حتى ان يؤمن بعدم جدوى النضال الوطنى او تبني الافكار السياسية و منها النظرية الماركسية:
1_ تدني للمستوى الثقافي و النظري الذي يؤذي في نهاية المطاف لعدم معرفة الامور السياسية و الوطنية بشكلها الصحيح, و التي لها الانعكاس على مستوى الوعي الحقيقي, لتصل الامور بالبعض الى التخلي طوعا عن الانشطة الوطنية.
2_ تغيير نمط الحياة المعيشية خصوصا عندما يكون هناك طموح عند المناضل بضرورة ان يعيش حياة من الرفاهية فيها يلعب الطابع البرجوازي وتتغلب فيها المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
3_ ضغوط العمل و الوظيفة و عدم الاستقرار الوظيفى نتيجة التضارب بين العمل السياسي و الوظيفي, خصوصاً في ظل الملاحقات البوليسية و المضايقات فى الرزق و تدهور الاستقرار المجتمعي.
4 _الاضطرابات النفسية والعجز عن القيام بانشطة جراء الادمان على الكحول و المؤثرات العقلية.
5_ الانهيار جراء التعذيب في السجون و المعتقلات, او البقاء لفترات طويلة فى الغربة نتيجه للنفي الاجباري او لطلب الرزق الذي يفتقده المناضل فى وطنه.
6_ الانهزام امام العواطف مثل الحب و الزواج و الاسرة.
7_ الامراض الجسدية المستعصية مثل الاعاقة او مرحلة الشيخوخة, وهذه مؤثرات طبيعية.
8 _ وهناك جوانب تنظيمية تفرض على اشخاص للقيام بمهام لكنهم غير مؤهلون لها لاسباب عديدة حينها ينهارون بسبب عدم القدرة على التاقلم و الصبر لتنفيذ المهام, خصوصا لمن ينهارون امام المستجدات و الحالات الطارئة غير المتوقعة.
9_ ايضا ان للاهتزاز الحاصل في صفوف بعض من اليساريين مرتبط بأسباب منها ازمة حركة التحرر الوطني العربية, ذلك بعد ان هيمنت البرجوازية الراسمالية العربية على القرار السياسي عن طريق احزابها, خصوصا بعد ان حاربت القوى اليسارية في العديد من الاقطار العربية مما قد ساهم في اضعاف الحركة العمالية و النقابية ذات التوجه الاشتراكي, خصوصا بعد الانهيار للمنظومة الاشتراكية, و من المعروف انه قد ارتبط مصير البرجوازية العربية بالاقتصاد الراسمالي العالمي, وقد حاربت اليسار بالنيابة عن الراسمالية.
10_ ان مثل هذه العوامل وغيرها قد ساعدت في بروز الافكار الانهزامية في صفوف اليسار العربي, و قد سرع في الميول للتراجع عن الخط النضالي, خصوصا بعد ان وقع البعض من المناضلين فريسة للتنازلات من اجل المصلحة الشخصية, ومن ثم وجود اتساع رقعة التحريفية و الانتهازية لاسباب عديدة, ومنها هيمنة التيارات الرجعية و الانظمة الدكتاتورية في حسم القرار السياسي و ابعاد اليسار عن حلبة العمل الوطني والذي يحتاج منا لعمل و نفس طويل.
نعم هذه اسباب مؤثرة تعيشها الاحزاب العربية اليسارية عن قرب, وكانت نتائجها ان هناك الكثيرون من رفاق الدرب تخلوا عن الانشطة الحزبية و الجماهيرية, وقد اغلقوا على انفسهم الابواب ومن ثم اختاروا طرق و حياة عيش جديدة, ومنهم من عملوا ضد التيار اليساري لانهم فشلوا في اثبات الوجود فى فترات حرجة, وهذه هى اخطر المراحل عندما ينهارون فى ساحة النضال الوطني, وهو المعيار الحقيقي للتخلي عن الخط الوطني او الثبات عليه, وهو المعيار الحقيقي للتواصل.
حقيقةً هذه وقائع من تجارب تسجل من الذاكرة الوطنية, و قد تكون مؤلمة لكنها سوف تعلمنا و تعلم الاجيال القادمة ان النضال السياسي لايخلوا من الهفوات و الانزلاقات و التراجعات و الانهزامات امام العديد من المغريات او الصعاب, او لعدم معرفة بعض الظواهر التي تستجد في الساحة, و منها المؤثرة على افكار المناضل ذلك مثلما حدث مع الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفياتي في عام 1991 , ومن ثم قد احدثت موجات من التراجعات في صفوف اليسار وحتى منها انكار للاشتراكية و الماركسية و البعض من لبس العمامة الرجعية او القبعة الليبرالية.
لكن ايضا هناك فى جانب اخر ثبت التاريخ ان هناك مناضلون من الطراز الحديدي الثوري القوي الشديد الذين يتحملون كل الصعاب ويتاقلمون مع كل المتغيرات حتى فى اوقات التراجع و الجزر, لانهم امنوا بخط سياسي واضح وبأفكار ماركسية تتجدد ولا تنتهي, ان مثل هؤلاء مناضلون قد فهموا جيداً الحياة ثم اصبحوا قادرين على الصمود و التحدي, منهم من يصل لمستوى ان ينال الشهادة مثل الرفاق د. هاشم العلوي, و حسين مروة, و مهدي عامل, و جيفارا, وفهد, و الحلو, وكل شهداء الحلم الجميل وطن حر وشعب سعيد, و القائمه تطول بالمناضلين الاشداء. نعم هؤلاء نمودج لمن يرحلوا مع ايمانهم بأفكارهم و شعبهم وحب وطنهم, بل دعاة حب لوطنهم حتى لو انهم يوماً شعروا بالخذلان او انهم عاشوا في وطن الغربة.
هكذا وجب ان تختار الاحزاب من بين صفوفها القيادات النوعية من الرفاق لتحمل المسؤليات بعيداً عن الميول للشللية, و العواطف, و ان مسألة الكيف فى تربية الكوادر تحتاج لوقت طويل لكن افضل من اختيارهم من وسط الكم و الشللية التي لا تبني عليها القواعد و الاسس لاحزاب مناضلة قوية في وسط الحراك الوطني التي تسير على طريق النضال المستمر, وهذا هو الاهم ان نعرف كيف نستقطب الجماهير عن طريق النزول اليها وليس الانتظار من الجماهير ان تصعد للاحزاب.
بقلم/ جواد المرخي
حرر في 7 يوليو 2015
المنبر التقدمي/ البحرين