المنشور

المآلات لا الاستراتيجيات..!!


لا مفر من الإقرار بان ما نحتاجه في البحرين منذ سنوات وحتى الآن هو خطة دولة، لا خطط وزراء او وزارات وجدنا منها ما تعثر بنسبة او باخرى، خطة تجند لها الامكانيات والموارد وتتضافر وتتكامل من اجلها الجهود، وتنقلنا من سياسة النظرة الجزئية الى سياسة النظرة الشاملة، خطة تجعلنا نعلم اين نقف وبأي اتجاه نسير، وأي أهداف نستهدف فى مدى زمني محدد، وتحدد كيف نتحرك لمعالجات صائبة نواجة بها ارتفاع الدين العام والعجز السنوي في الميزانية، وهو العجز الذي يدفع بحسب وزارة المالية الى طريق الرسوم والضرائب، وكيف نحافظ على مكتسبات المواطنين دون تضييع الممكن، او جعل الممكن يصبح مستحيلاً..!!

كم من خطط، وكم من استراتيجيات خمسية وغير خمسية أعلنها وزراء على مر السنوات الماضية فى مناسبات عدة، بل وجدنا كيف انتقلنا من خطة استراتيجية الى خطة اخرى، وكيف نظمت احتفاليات وبأي مستوى للاعلان عنها، وقيل فيها الكثير من الكلام الكبير فى هذه وتلك، وكلها لا احد اليوم يدري ماذا تحقق منها.. وما لم يتحقق.. بل نكتشف بان لا هذه ولا تلك لم تخضع لتقييم وتقويم وقياس، ونكتشف ثانياً ان كمية التصريحات والوعود عن الخطط والاستراتيجيات والنوايا الطيبة التى احسب انه يصعب على ذاكرتنا ان تستوعبها لم تثمر شيئاً على ارض الواقع، والأدهى حين تبدو وكأنها مضيعة للوقت والجهد والمال.

مثال، اين هي الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 التى قيل بانها خطة تنموية واقتصادية تسعى الى نقل البحرين من الاقتصاد القائم على الثروة النفطية الى اقتصاد منتج قادر على المنافسة عالمياً يرتكز على الاستدامة والتنافسية والعدالة، وتعمل على زيادة دخل الأسرة البحرينية الى اكثر من الضعف، وتوسيع الطبقة الوسطى، ورفع مستوى معيشة المواطن، وتوفير وظائف ذات رواتب عالية، وقيل ايضاً بانها منعطف تاريخي للاستثمار، والأهم قيل بانها ملزمة لجميع الوزارات والأجهزة الرسمية، ماذا تحقق من هذه الرؤية ومالم يتحقق، اين أوجه الإخفاق والقصور، والسؤال المؤرق: لماذا هذا الصمت المطبق عن الرؤية وكأنها لم تكن.. وهي التي لم يبق وزير او مسؤول الا وأدعى وصلاً معها والتزاماً بها..؟!!

مثال آخر، الى اين وصلنا فيما يخص استراتيجيات اعلن عنها منذ سنوات، استراتيجية وطنية لكبار السن، واستراتيجية وطنية للطفولة، واستراتيجية للعمل الاجتماعي، واستراتيجية صناعية تركز على الصناعات المكملة والمتشعبة عن الألومنيوم والنفط والحديد، وقيل بانها تستهدي بالنهج السنغافوري، واستراتيجية إعلامية، وأخرى لتطوير الثقافة وقطاع الفنون والتنمية السياحية، واستراتيجية لتأهيل المواطنين، واستراتيجية للتدريب المهني، واستراتيجية لتطوير القطاع السمكي، واستراتيجية للتنمية الزراعية المستدامة انبثق عنها استراتيجية لتوفيرالأمن الغذائي، واستراتيجية للنهوض بالحركة التعاونية.. القائمة تطول، واحسب ان كل هذه الاستراتيجيات وغيرها معلومة للكافة، ولا حاجة للإفاضة فيها.

علينا ان ننتبه الى ان كل الاستراتيجيات وغيرها لم يغفل من اعلن عنها ان يؤكد لنا انها تتماشى مع رؤية البحرين الاقتصادية..!!، ووجدنا كيف ان وزارات وهيئات رسمية قد نفضت الغبار عن أسطوانات قديمة ووضعتها فى أغلفة جديدة، خطط ومشاريع ورؤى… الى آخره، أعلنت عنها ودفعتها الى وسائل الإعلام، والكلام نفس الكلام، لا يتغير ولا يتبدل ولا يراعي الوقت والظرف وتطور وعي الناس..!!، وكل ما علينا ان نستقبل الإشادة بإنجاز هذا الوزير او ذاك المسؤول، او هذه الوزارة او تلك الهيئة، حتى وان كان مجرد انجاز على الورق..!!، وكأننا فى حملة علاقات عامة، ويستمر الحال على ماهو عليه، عدم وضوح في الرؤية حول مدى القدرة على الاستخدام الفعال للامكانات، وغياب منهجية للتقييم والتقويم وقياس الأداء والمساءلة والمحاسبة..!!

يكفى ما نتابعه هذه اﻻيام بشأن الميزانية العامة للدولة للعامين 2015 -2016 التى أقرها النواب قبل ايام بعد سجال بشأنها استمر قرابة 6 شهور، باع فيها بعض النواب للناس كلاماً فى كلام، واطلقوا وعوداً وحملات تهويل استعراضية تحدثوا فيها عن ما صفوه بمواقف ثابتة برفض قاطع للميزانية ولرفع سقف الدين العام ولأي مساس بمكتسبات المواطنين، وافقوا فى جلسة استثنائية قبل ايام على «المبادئ والأسس «لمشروع الموازنة، لم يرفضها سوى 12 نائباً كونها لا تلبي الحد الأدني من المطالب الشعبية وتخالف البرنامج الحكومي، أما الذين أيدوا ووافقوا على مشروع الموازنة بعد اعتراضاتهم المشهودة والموثقة فى صحفنا المحلية والتى يمكن الرجوع إليها فى اي وقت، لم يبقى أمامهم الا ان يصوروا بان «توافقاتهم مع الحكومة هو أقصى مايمكن الوصول اليه فى الظروف المالية الصعبة..»، والمفارقة ان النواب الذين كانوا معترضين وصفوا الموافقة على الميزانية بالإنجاز..، وذلك ليس بغريب فقد تعودنا ان يحول النواب فشلهم واخفاقهم الى انجاز..!!، والاهم من كل ذلك ان الميزانية اصبحت ميزانية الامر الواقع، وطالما ان النفقات الجارية تمثل 86٪ من مجموع النفقات، والايرات النفطية التي هي مرتبطة بتذبذب اسعار النفط تمثل 81٪، وان الدين العام يمثل مصدر رئيس للاقتراض لتمويل العجز ويمول نحو 40٪ من النفقات، فاننا نكون امام مرحلة علينا فيها ان نتوقع مشتقات اخرى من المعانات التي تفرض اكثر من اي وقت مضى سياسات مالية واقتصادية حصيفة.

ماحدث يضاف الى مايعنى اننا لازلنا نفتقد الى تصور، او رؤية، او استراتيجية، او خطة واضحة الأهداف والمنطلقات والآليات والمدى الزمني التى تنهض بواقعنا فعلياً وبكل معنى الكلمة، لذلك نظل نراوح ولا نفع هنا لتبادل التهم بالمسؤولية..!!
 
7 يوليو 2015