كان عمره اثني عشر عاماً، هو المولود في عام 1936، حين حلت النكبة الفلسطينية عام 1948. لجأت عائلته إلى لبنان ومنها إلى دمشق، حيث أتمّ دراسته في مدارسها ثم في جامعتها. الفتى الذي خرج من رحم المعاناة، شأنه شأن أقرانه، كان مهيأ للانخراط في نضال شعبه من أجل حقوقه، حين أخذ بيده رفيقه، الشاب يومها، جورج حبش إلى حركة القوميين العرب، في مطالع خمسينات القرن العشرين.
أخذته الأقدار فيما بعد للكويت ليعمل فيها مدرساً، منضماً إلى شقيقته، أم لميس، التي أخذت على عاتقها العناية به ورعايته وتشجيع موهبته، ومن الكويت سينتقل إلى بيروت للعمل في مجلة «الحرية»، مسؤولاً عن القسم الثقافي فيها، ثم ليصبح رئيس تحرير جريدة «المحرر» اللبنانية، قبل أن يلتحق بجريدة «الأنوار».
حين تشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قام بتأسيس «مجلة الهدف» وترأس تحريرها، كما أصبح ناطقاً رسمياً باسم الجبهة. وهو يقدم استقالته من «الأنوار» ليتفرغ ل«الهدف» قال له مسؤولها، في حينه، سعيد فريحة: «لا أريدك أن تذهب»، عارضاً عليه زيادة في مرتبه، لكن ما كان يهم غسان ليس المال، وإنما أن يكون قريباً من شعبه، ومن جماهير المخيمات الفلسطينية بشكل مباشر.
في صبيحة الثامن من يوليو/تموز 1972، وهو يهم بتشغيل سيارته رفقة لميس ابنة شقيقته، انفجرت فيها القنبلة التي زرعها عملاء «الموساد»، فأودت بغسان ولميس شهيدين. كانت لميس الحفيدة الأولى في أسرته، لذلك كان شديد التعلق بها، وكان يكتب لها كل سنة قصة، يهديها إياها في عيد ميلادها، مزينة بالرسوم التي يحرص هو نفسه على أن يرسمها، كما أنه أهداها واحداً من كتبه الأولى.
شاء القدر للميس أن ترحل مع الخال الذي تعلق بها وتعلقت به، كأنها أرادت أن ترافقه في رحلته الأخيرة. كانت لميس حينها في السابعة عشرة من عمرها، فيما لم يكن غسان قد تجاوز السادسة والثلاثين عاماً، وعلى عمره القصير فإنه خلَّف لنا عدة روايات، وعدة مجموعات قصصية، ومسرحيات، وعشرات الأبحاث الفكرية ومئات المقالات.
في ذكرى استشهاده التي مرت أمس، يحضر غسان كنفاني، كأنه لم يغب، هو القائل على لسان إحدى شخصياته الروائية: «الإنسان قضية، وفلسطين أكثر من ذاكرة. أكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم.. لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط،الوطن هو المستقبل».
9 يوليو 2015