هناك عدد من الاسباب والعوامل وراء خطاب الكراهية، هناك تحريض على التمييز واعمال العنف والارهاب، وهناك من الاهداف والمصالح تقف وراء خطاب الكراهية والتفرقة على اساس الانتماء الديني والعرقي والقومي!
لا خلاف فيما يقوله البعض ان تقسيم المنطقة العربية الى دويلات وتفتيتها الى اجزاء واشعال الفتن الطائفية والمذهبية بين مكوناتها، هو في الأصل مشروع استعماري قديم ــ جديد «فرق تسد» ولكن ما نشاهده اليوم من صراعات مذهبية وارهاب لا يعود فقط الى نظرية المؤامرة والفوضى الخلاقة بل ايضاً الى جوهر الفكر الديني المتطرف والى غياب ثقافة التعدد، والى مطالب وحقوق تمس مصالح الأنظمة، وبتعبير ادق الى تغييرات لم تحدث لمصلحة قيم الديمقراطية وحقوق الانسان!
وعن خطاب الكراهية الدينية كتبت «امل الفلاس» في اصدار «صنعة الكراهية» ان الكراهية الدينية من اشد انماط الكراهية حساسية وخطورة، وهذا بصورة عامة هو من طبيعة كل امر له علاقة بالدين اثراً وتراثاً وتأويلاً، ذلك لان الدين له علاقة معتمة.
والمقصود بالكراهية الدينية، ذلك النمط من الكراهية الذي يتصل بالمجال الدين ويتحدد به، اما من جهة الباعث والمنطلق، او من جهة المعنى والتفسير، او من جهة الرؤية والمواقف، والتي تنشأ متأثرة بالاختلافات التي لها علاقة بالدين.
وازاء هذه الاشكالية من الأهمية بمكان تجديد الخطاب الديني باعتباره احد الاسباب في معالجة سلبيات واثار خطاب الكراهية وكل ما يهدد استقرار المجتمع وهو ما يدعو في الحقيقة الى اعادة النظر في كتب التراث ومناهج التربية والتعليم والخطاب الاعلامي التي يجب ان نتعامل معها بعقلية نقدية، وبمزيد من الاصلاحات والضوابط من بينها منع رجال الدين من السياسة على غرار الخطوة التاريخية الشجاعة التي اتخذها العاهل المغربي بمنع الائمة والخطباء وجميع المشتغلين من «ممارسة اي نشاط سياسي» حماية للمجتمع من العنف والارهاب والفكر الاصولي التكفيري الذي يرتبط بفكر وثقافة وممارسة وسلوك بمناهج ماضوية عنيفة نقيضة للتعددية والتسامح والحرية والتقدم والحداثة، وخطيرة على الديمقراطية والدولة المدنية والمجتمع المدني!
ولذلك، فان الحديث عن الارهاب يطول ويطول بإعتباره من المشروعات الاكثر خطورة. وستبقى مكافحته مرتبطة ايضاً بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبترسيخ مفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية لإرهاب الشعوب من خلال القمع ومصادرة الحقوق ولا بمصالح واستراتيجيات سياسية داخلية واقليمية كثيراً ما راهنت في تصديها للفكر العقلاني الديمقراطي على الاصولية الاسلامية، وقد اتسعت هذه المراهنة الى حد الترويج الى خطاب الكراهية وازدراء الآخر ودعم وتمويل قوى الظلام التكفيرية، الارض الخصبة لترعرع ونمو الارهاب!
في مؤتمر الاوقاف المصرية الذي انعقد تحت عنوان «بحث آليات تجديد الخطاب الديني» خرج بتوصيات عدة دعت بعضها الى تبني خطاب ثقافي وفكري يدعم تأسيس الدولة الدستورية في مواجهة التنظيمات الارهابية التي لا تؤمن بالوطن، ودعت ايضاً الى دعم قضايا العمل والانتاج والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، ومن بين ما جاء ايضاً في تلك التوصيات ان تكون مبادئ الاخلاق والقيم الوطنية موضع اهتمام في جميع المراحل التعليمية، وبالإضافة الى ذلك ان يتجه الخطاب الديني المعاصر الى اقناع العقل وتعزيز المشتركات الانسانية، وترسيخ الصحيح للدين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
ونعتقد حتى لا تكون تلك التوصيات حبراً على ورق، فان الانتقال من التنظير الى التطبيق الفعال على ارض الواقع لا يتم بمعزل عن تجريم خطاب الكراهية، ولا عن تفعيل مبدأ الدين لله والوطن للجميع، ولا عن فصل الدين عن السياسة والدولة، حتى لا يتدخل الخطاب الديني والدولة كما يقول الكاتب خالد الدخيل في خيارات الفرد الدينية!
ما نعنيه ان تجديد الخطاب الديني يحتاج الى رؤية شاملة تتجدد بالضرورة بتجدد الحياة المعاصرة، ومن اجل تطوير هذا الخطاب وغيره لا بد من حرية النقد، وحرية الاختلاف، والتنوع والتجدد، واما من غير ذلك، فإننا لا نستطيع الارتقاء به ولا بغيره من الخطابات!
4 يوليو 2015