يخطئ كثيراً من يظن انه غير مستهدف أياً كان انتماؤه الديني او المذهبي، ويخطئ اذا كان يرى ان العمل الإرهابي الذي هز الكويت فى يوم دموي بامتياز، وفي يوم من ايام هذا الشهر الفضيل، يستهدف طائفة دون غيرها، فقد وجدناه مرة تلو المرة يقتل ويسفك الدماء من دون تمييز، كثر من ابناء الطوائف الإسلامية والمسيحية وغيرهم ذهبوا ضحية معارك عبثية مضنية لا معنى لها فى أماكن متفرقة من العراق وسوريا وتونس وليبيا والصومال ومناطق اخرى، أعداد لا تحصى من الضحايا من كل الطوائف والأديان فالقضية قضية انسانية ومجرمون، انسانية وارهابيون، ومنافذ يتسرب منها الفكر التكفيري، وواقع بات مملوءاً بألف نظرية ونظرية عن المكائد والمؤامرات والمفاجعات والحسابات، هل يكفي ان نذكر بما قاله الناطق بإسم ما بات يعرف بـ “الدولة الإسلامية” وقبل ثلاثة ايام من الذكرى الأولى من الإعلان عن هذه الدولة فى الموصل “29 يونيو”، فالرجل حض الأنصار والاتباع والمناصرين على “تصعيد الهجمات في رمضان على المسيحيين والشيعة والسنة الذين يقاتلون ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة..”، هذا كلامه، وسنكون سذجاً الى حد لايصدق اذا لم نفهم ونستوعب ماذا يعني هذا الكلام..!!
ويخطئ اكثر من لا يتعلم الدروس الصحيحة من هذا الإرهاب الذى ضرب الكويت، وتونس، وفرنسا في يوم واحد، واذا أضفنا ما حدث قبل ذلك في مسجدين بالسعودية، وما يحدث كل يوم تقريباً في العراق وسوريا على وجه الخصوص، فاننا نكون امام محاولات استهداف النسيج الوطني وجر مجتمعاتنا الى الفتنة، والاصطفافات الغوغائية والحماقات المستدامة، يراد لنا ان نعتل في مواطنيتنا وان ننساق بلا خجل ولا ندم وراء جيوش من الإرهابيين والمحرضين الذين يريدون جر المسلمين لصراعات طائفية، وابتكار المنشطات الطائفية وحفر الخنادق المذهبية بكل الأشكال والألوان والمستويات، تاركين الرياح والتيارات تأخذنا الى حيت يشاء أرباب الطائفية، وصناع الفتن وهذا وضع يكون فيه الاكتفاء بردود الفعل الآنية التي لا تتجاوز حدود التضامن والتنديد بكل العمليات الإرهابية والجرائم النكراء المخالفة لكل الشرائع والأديان والأعراف الانسانية، فهذا يعد مشاركة بشكل او بآخر، ان لم يكن اسهاما في صب الزيت على النار وتسعير حالة التعصب والتكفير والاحتقان المذهبي والتعصب الطائفي، واذا لم تتوفر الإرادة الوطنية الحقيقية التي من شأنها ان تضع حداً لكل هذا العبث في نسيج مجتمعاتنا الخليجية، وتوقف البيئات الحاضنة التي ترعى أو تتعاطف أو تتفاعل او تدعم في السر والعلن، في الأقوال والأفعال والكتابات والمال، كل ما يغذي الضغائن والأحقاد ويؤدي الى الفتن، وأسوأ وأخطر ما في المشهد ان تجد من يطلق التبريرات المستعادة التى تعيد دوماً كل ما يؤزم ويشرعن كل ما يمس النسيج الوطني والطائفية ويجعلها أمراً مقدساً يفتح آفاقا للعمل الانتهازي لكثر يقتاتون من الطائفية ويمتشقونها ويحتمون بها.
الإرادة الوطنية الحقيقية، والوحدة الوطنية الملموسة بمعناها الحقيقي ليست شعارات. هذه هي المحصلة البديهية التي لا مفر من التأكيد عليها، وهذه الوحدة لا تعني الاستنكار والشجب والتبرع بالدم وتقديم واجب العزاء في ضحايا كل عملية إرهابية، ولا اي شيء من هذا القبيل، بل هي تعني ضمن ما تعنيه مواجهة الفكر المتطرف، دعاة الفتنة عبر كل القنوات والمنابر وتفعيل الدور الحقيقي المأمول غير المراوغ لوسائل الإعلام والصحافة واجهزة التربية والتعليم وخطباء المنابر والجمعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني والكتاب وأصحاب الرأي والفكر والقلم. وعدم التساهل والتردد في اتخاذ الاجراءات القانونية ضد مثيري الفتنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والحيلولة دون إقحام الدين فى الشأن السياسي، لأن ثمة خطباء وأصحاب منابر وجدناهم يدفعون الناس الى معمعة من الاصطفافات والهلوسات الطائفية والمذهبية، وباتوا حواضن للتعصب والفكر التكفيري.. الوحدة الوطنية الجامعة تتجاوز التفاصيل الصغيرة وتؤجل الهموم الخاصة والاهتمامات الذاتية، وهي الأولى باهتمامنا وتفكيرنا وجهودنا وحواراتنا ونقاشنا ومشاريعنا.
من تابع ورصد ردود الأفعال على خلفية العمل الإرهابي الذى شهدته الكويت الحبيبة، يستشعر إجماعاً كويتياً لافتاً على التمسك بالوحدة الوطنية، ورفض قاطع للفتنة، ليس فقط عبر استدعاء المخزون والمكنون المشترك بين ابناء الوطن الكويتي، وأصرار كل مكوناته على رفض كل آفات التقاطع، ومحاصرة الفتنة التى بات معلوماً انها ليست فعلاً مجهول الفاعل، واحسب انه من تجليات التمسك بالوحدة الوطنية تلك الفزعة والانصهار بين كل أطياف المجتمع الكويتي، وتلك الدعوات والمواقف والصلوات المشتركة، ومن بين أجمل الدعوات هذه “دعوة من عيال الكويت، شبابهم وشيابهم، من اليوم، وكل يوم، لا تقول مسجد سنة، ومسجد شيعة، ادخل اي مسجد، صل لربك، وخل الإرهابيين يعرفون انهم بفعلتهم النكراء وحدوا صفوف شعب الكويت ولم يفرقوها..”.
انهم يحاصرون الفتنة بالوعي والوطنية ويفوتون الفرصة على اصحاب المكائد والمؤامرات والفتن. واليوم بات علينا جميعاً أن نعرلف ماذا علينا ان نفعل، وان نستقر على موقف، اذا كنا نشكو التفرقة وتبعاتها، فلماذا لا نتلاقى..؟!
30 يونيو 2015