بعد تفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك كتب الفرنسي جان بوديار مقالاً في «اللوموند» بعنوان «ذهنية الإرهاب»، حاول فيه رد أسباب تلك التفجيرات إلى سياسة الغطرسة الأمريكية، والسياسات الغربية عامة، باختراع شبح جديد للخطر بعد سقوط النظام الاشتراكي هو الخطر الإسلامي.
في حينه ثارت ثائرة المثقفين الفرنسيين عليه، لا من باب العداء للإسلام، وإنما من باب أن الإرهاب لا يمكن أن نلتمس له عذراً أبداً، فالإرهاب يجب أن يسمى باسمه، ويدان، خاصة حين يستهدف الأبرياء والمدنيين، وهناك من ذكَّر بالعبارة الشهيرة لألبير كامو من أنه ما من قضية عادلة يستحق أن يقتل فيها إنسان بريء.
ما من قضية عادلة في الإرهاب المعولم الذي يجتاح عالمنا العربي وتمتد نيرانه إلى بلدان أوروبية، وهنا أيضاً يتعين تسمية الأمور بمسمياتها، حيث شهدنا في يوم واحد ثلاثة أعمال إرهابية: في الكويت وتونس وفرنسا، وتعددت عناوين هذه العمليات، ففي الكويت ارتدت طابع التصفية المذهبية، وفي تونس، الخالية من التضاريس المذهبية الموجودة في العديد من بلدان المشرق، كان العنوان استهداف السياحة وضرب الاقتصاد، وإشاعة الرعب، وفي فرنسا كان العنوان مواجهة الغرب المسيحي الضال.
غرف العمليات التي هندست للعمليات الإرهابية الثلاث هي واحدة، سواء وجد تنسيق بين أفرادها أم لم يوجد، فهي جميعها تنطلق من مرجعية إيديولوجية وتنظيمية واحدة، وتصب في الهدف ذاته.
بعض ردود الفعل، على الأقل في حدود ما تنضح به وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعكس أكثر ردود الفعل بدائية وتشفياً، تشير أن للإرهاب ليس فقط مسوغون، وإنما محبذون ومريدون، يظهرون لنا بعناوين ومبررات مختلفة، وأصحاب هذه الدعوات الشاذة يغيظهم ما تعبر عنه الغالبية الساحقة من الناس الذين يجسدون الفطرة السوية للبشر في استفظاع قتل الأبرياء، على نحو ما شهدناه من تضافر الإرادتين الرسمية والشعبية في الكويت باستنكار ما جرى والتأكيد على التلاحم الوطني.
قلنا في العنوان إننا جميعاً في مهب اللهب، ربما يجدر بنا أن نكون أكثر صراحة ووضوحاً، فنقول إننا عبرنا الزمن الذي كنا فيه في مهب اللهب، لقد بتنا جميعاً، مشرقاً ومغرباً، في قلب النار، والخليج العربي ليس استثناء من ذلك، والدليل هو ما شهدناه ونشهده من تفجيرات، وما نسمعه ونقرأه من تهديدات بنقل العنف إلى بلدان أخرى.
ليس أمامنا سوى اليقظة ثم اليقظة.
28/06/2015