نستقبل الشهر الفضيل .. شهر المغفرة والمحبة والإخاء .. شهر كل المعاني والقيم السامية، هذا الشهر هل يمكن ان يكون فرصة ليس فقط لتكريس تلك المعاني والقيم التى يفترض تعزيز حضورها والتمسك بها وترجمتها الى واقع ملموس، بل إضافة الى ذلك العمل من اجل الانتصار للوطن، وللناس فى هذا الوطن، وذلك من باب لايمر عبر الموائد والصحون وزيارات المجاملة، بل عبر النفوس وحسن النوايا، ورفض الاستدراج بان يكون اي منا طرف فتنة يصنعها غيرنا ونكون نحن وقودها، فتنة شق صف المجتمع واستنفاره لعصبيات وصراعات تستنزف قواه وتجعله منصرفاً عن أولوياته وقضاياه الجوهرية ..
هل نتذكر محصلة مثل هذه الدعوات فى شهر رمضان السنة الماضية، هذه الدعوات التى انطلقت عبر مجالس وبيانات وتصريحات ومبادرات من أطراف احسب انها مثلت كل مكونات المجتمع البحريني، من رجال سياسة، ورجال دين وأصحاب مجالس، ومنابر من كل نوع وأصحاب فكر وقلم ورأي وغيرهم، وكلهم دعوا الى الوحدة الوطنية وشددوا على وجوب التمسك بكل ما يثبت هذه الوحدة ويضمن استمرارها، كل الأطراف شاكرة ومشكورة اكدت على ذلك، واستفاضت فى شرح القواسم المشتركة، والتأكيد على عزيمة كل قوى المجتمع فى إرساء قيم التسامح والمحبة والتمسك بالنهج الوسطي، والابتعاد عن التعصب والطائفية، بل وأرسلت إشارات موحية الى ان الجهود ستظل على الدوام مكرسة لما يصون الوحدة الوطنية، ورفض محاولات تجار الفتنة جرنا إلى ما يجعل واقعنا مأزوماً على الدوام، مليئاً بكل صور الصخب والحشد والاحتقان والاستقطاب، والعصبيات، والمغالبات والمغالطات، والاستثمارات السياسية والمصلحية والانتهازية الرخيصة التى نجدها على الدوام ساعية الى تأجيج النفوس وتعظيم الإشكاليات وتفجير العقد هنا والعنجهيات هناك..!!
يبقى ذلك جهداً طيباً لعله صب باتجاه دق ناقوس الخطر، ولكننا وبمنتهى الصراحة يتعذر علينا ان نصنف كل ماجرى فى رمضان الماضي بانه شكل قيمة او إضافة نوعية بأي معيار الى مسيرة الوحدة الوطنية، لأن أبواق الفتنة وان خف ضجيجها في شهر رمضان، الا انها عاودت بعد ذلك وبهمة الى مواصلة الاستنفار والتجييش والتحريض، والتكفير والتخوين والتأثيم، وكأن ثمة عجز عن اعادة تأهيل النفوس وتطهيرها من غرائز الطائفية والمذهبية، والمؤلم والمؤسف في آن واحد ان هؤلاء وهم يلامسون بؤر التأجيج وكل ما يؤرق ويعظم بواعث القلق، يظهرون لنا بمظهر الأنقياء الأتقياء الذين يمارسون عملاً وطنياً بامتياز، ذلك يعني ان ما جرى في رمضان الفائت لم تخرج عن كونها مظهر من مظاهر المقولات المتكررة التي الفناها والمؤكدة على اهمية الوحدة الوطنية والتمسك بها وليس اكثر من ذلك، وكأننا استعضنا بالقول عن الفعل، نعم الفعل الذي يترجم قيام كل منا بدور تجاه هذا العبث في مفردات ومقومات الوحدة الوطنية بشكل يهدد الحاضر والمستقبل، بما لايقبل بأي شكل التبسيط او الخطأ في الحساب.
شهر رمضان الذي نستقبله بعد ايام، هل يمكن ان يكون هذه المرة فرصة لإنجاز، لمبادرة، لموقف، لدور خاصة لمؤسسات المجتمع المدني التي لم تتلوث ولم تنتج الفرقة ولم تكرس الانشطار عن علم او غير علم، عن قصد او غير قصد، ولا ننسى دور القوى الحية والفاعلة القادرة على وضع الفعل الوطني المنشود في إطاره الصحيح الذي يتحسب له الجميع من الان وقبل فوات الأوان، نؤكد على ذلك لأننا نؤمن بان من نفترض ان له دوراً لايجب ان يقبل بأي حال من يريد ان يزرع في نفوسنا المزايدة على مشاعر الناس ليستثمرها استثماراً رخيصاً سياسياً او دينياً او طائفياً او مذهبياً، يؤجج النفوس ويعمق كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ويجعل الأبواب مشرعة لصدى مخاطر وتداعيات مايجري أمامنا في دول الجوار.
لعلها دعوة، دعوة الى فعل وطني حقيقى ملموس، فاعل ومؤثر ينطلق خلال الايام المقبلة من الشهر الكريم، دعوة موجهة الى جميع اصحاب الحس الوطني الحقيقي، وذوي النوايا الحسنة الذين يستشعرون المسؤولية والحاجة الى تحصين الوطن من دعوات التطرف والفرقة، وتعميق الوفاق الوطني، وتأكيد ان الجسم البحريني محصن ضد اي فتنة من اي نوع، وان كل المواطنين دروعاً للبحرين وليس من بينهم سيوف عليها، ويدركون بان الصمت حيال ما يجري من محاولة تشطير وخلافه هو شراكة فى بث بذور الفتنة, وان التعصب والتطرف يتواجد بقدر ما نتيح له من مناخ، ويقوى بقدر مانخاف، ويعلو صوته بقدر خفوت اصواتنا وعجزنا عن التصدي لهذا الكامن في القاع، وبناء عليه الدعوة ليست عامة، لكنها دعوة موجهة الى جميع اصحاب النوايا الحسنة، ونجزم بانهم الأكثرية ..!!
16 يونيو 2015