كيف يبدو الاقتصاد العالمي في ضوء تواصل موجة الانحدار الكبرى التي أصابت أسعار النفط منذ يوليو من العام الماضي، وفي ضوء تواصل تراجع مخصصات الانفاق الاستثماري والإنفاق الجاري لكبريات شركات الطاقة والشركات الصناعية في العالم، وفي ضوء تواصل سخونة الأوضاع السياسية والاجتماعية في العديد من بقاع العالم؟ في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2014 كان صندوق النقد الدولي قد نشر توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي لعام 2015، قدّر فيها بأن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.8%.ولكنه عاد في تقريره التالي الذي نشره على موقعه الالكتروني في 20 يناير/كانون الثاني 2015، ليخفض هذه التوقعات بنمو في عام 2015 لا يتجاوز 0.2% مقارنة بنمو عام 2014 الذي بلغ 3.3%، ليبلغ في عام 2015 3.5% مقارنة بتوقع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي قدّره الصندوق بنسبة 3.8%، أي أن الصندوق تراجع عن توقعاته بنسبة 0.3%. وعمل الشيء نفسه مع توقعات عام 2016، حيث خفضها من 4% إلى 3.7%، أي بنسبة تخفيض مراجعة نسبتها أيضا 0.3%. وبرر الصندوق هذه المراجعة لأرقام توقعاته في تقريره الأخير «آفاق الاقتصاد العالمي»، بأن خفض التوقعات لنمو الاقتصاد العالمى جاء نتيجة لانخفاض آفاق النمو في الصين وروسيا ومنطقة اليورو واليابان.
مؤشرات ضعف الاقتصاد العالمي كانت قد لاحت في الربع الأخير من العام الماضي.
فباستثناء الاقتصاد الأمريكي الذي يمول حركة دورانه بأسعار فائدة يمكن اعتبارها تفضيلية تلك التي يمنحها لمكتتبي سنداته الحكومية مقارنة بقريناتها في الاقتصادات الأخرى المتقدمة..
مؤشر آخر على ضعف أداء الاقتصاد العالمي، هو انخفاض أسعار السلع، الذي لم يقتصر على النفط فقط وانما شمل أيضا أسعار المنتجات الغذائية وأسعار المعادن.
الانخفاض الكبير في أسعار النفط، يشكل بلا شك أغراءً لا يُرد للمحللين، حتى ان صندوق النقد الدولي بنى تقديراته للنمو العالمي في آخر تقاريره على هذه الجزئية من معطيات نموذج التحليل، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يحفز ويرفع النمو في اقتصادات الدول المتقدمة إلى 2.4% في 2015 و2016 .
ولا ننسَى أن صندوق النقد لم يُعد النظر في تقديراته بشأن النمو لهذا العام (تخفيضا عن تقديراته التي لم يفت عليها 6 أشهر، من 3.8% إلى 3.5%)، وإنما كان قد خفض تقديراته أيضاً لعام 2014، من 3.7% في شهر إبريل/نيسان 2014 إلى 3.3% في شهر أكتوبر 2014.
صندوق النقد الدولي يبرر تراجعه عن توقعاته السابقة بظهور 4 مستجدات يتمثل الأول منها في انخفاض أسعار النفط بنحو 55% منذ سبتمبر/أيلول الماضي من العام الماضي، الذي يرجع جزئياً إلى حالة من ضعف الطلب في عدد من الاقتصادات الرئيسية بوجه خاص، وهو الأمر الذي جاء مخالفًا للتوقعات، وكذلك في عدد من الاقتصادات الناشئة، الذي انعكس أيضًا في انخفاض أسعار المعادن الصناعية، ويتمثل العامل الثاني في التباين في معدلات النمو بين الاقتصادات الكبرى.
أما العامل الثالث فيتمثل في ارتفاع الدولار الأمريكي (بالقيمة الحقيقية الفعلية) بنسبة 6% منذ أكتوبر 2014، في حين انخفض اليورو والين الياباني بنسبة 2% و8% على التوالي منذ أكتوبر وحتى الآن، فضلاً عن تراجع العديد من عملات الأسواق الناشئة خاصة في الدول المصدرة للسلع الأولية (النفط والقمح والمعادن). أما العامل الرابع فهو ارتفاع أسعار الفائدة وكذلك انتشار المخاطر في العديد من الاقتصادات الناشئة.
وكما هو ملاحظ، فإنه باستثناء الانهيار المفاجئ والدراماتيكي لأسعار النفط، فإن بقية «المستجدات» التي سوغ بها الصندوق مراجعته لتوقعات النمو العالمي، كانت متاحة ومقروءة.
وهكذا فإن الصورة البانورامية العامة للاقتصاد العالمي، ليست جيدة بما يكفي، حيث إنه باستثناء الاقتصاد الأمريكي الذي لم يفقد بعد زخم حُقن التسهيل الكمي التي أحقنت فيه منذ عام 2009 حتى انتهاء عملية الحقن الشهري في أكتوبر/تشرين الأول 2014، والتي بلغ إجماليها أكثر من 3 تريليونات دولار، وهو يخشى في الواقع فقدانه، وذلك برسم التأجيل المتكرر لوقف العمل ببرنامج التسهيل الكمي منذ أواخر عهد بن برنانكي المحافظ السابق للاحتياطي الفيدرالي، والتمطيط المتكرر لقرار الاحتياطي الفيدرالي بالتخلي عن سياسة سعر الفائدة الصفرية والبدء برفع سعر الفائدة ، باستثناء الاقتصاد الأمريكي المنتعش، فإن بقية الاقتصادات العالمية، بما في ذلك الاقتصاد الألماني، رافعة اقتصادات بلدان منطقة اليورو (18 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ال 28)، تعاني من ضغوط علائم الركود.
ولكنها بالمقابل ليست سيئة على الاطلاق، إذ تتوفر للاقتصاد العالمي، لاسيما للاقتصادات الآسيوية المستهلكة للطاقة، عناصر دفع إيجابية تتمثل في انخفاض أسعار النفط والمعادن الذي قد تستمر في التمتع به حتى الربع الأخير من العام الجاري
25 يونيو 2015