يجري الحديث، بكامل الوجاهة، عن توظيف الجماعات التكفيرية المسلحة منظومة من المفاهيم والأحكام، موضع الشك والخلاف، في التراث الإسلامي، لخدمة منهجها في التكفير واستباحة الدماء وارتكاب الفظائع من النحر إلى الحرق، مروراً باستهداف منجزات الحضارة الإسلامية، بما فيها تلك العائدة للحقب السابقة، من آثار وتحف ومبان.
وبكامل الوجاهة والأهمية أيضاً، يجري الحديث عن ضرورة إعادة النظر الشاملة في المنظومة التعليمية، خاصة منها تلك المتصلة بالتربية الدينية بهدف تنقيتها من المقحم عليها من صفحات لا تعكس روح الحضارة الإسلامية عامة، وتعاليم الدين الإسلامي نفسه، والتي تشربت بها عقول الكثير من الشبان المغرر بهم، بدل أن يربوا على قبول التعايش مع الآخر، والتسامح الديني والإنساني في مجتمعات قائمة على تعددية دينية ومذهبية تبلغ أحياناً حد الفسيفساء.
لكن يجري إغفال الجانب «الهوليوودي» في سلوك الجماعات المنتمية إلى تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من الحركات الآتية من الجذر نفسه، فنحن هنا إزاء آخر تقنيات ،لا الحداثة وحدها، وإنما ما بعد الحداثة أيضاً، في تجاور محير بين المحافظة أو السلفية التكفيرية وآخر تجليات الحداثة وما بعدها، أي أن الفكرة المحافظة المستلة من نصوص تراثية، يجري تأويلها بما يتسق ومزاج هذه الجماعات، تأتي محمولة على أحدث وسائل الاتصال، خاصة الصورة، والصورة المتلفزة تحديداً.
تقدم الصورة في المجتمع الإعلامي، عامة، كمرجعية أولى وأخيرة، لا يقاس على سواها، بل إنها توهم المشاهد أنها هي الواقع.
والمذهل في تدفق الصور هو قدرتها الفائقة على تعطيل الحواس الأخرى، وتحفيز الغريزة والمتعة، لأن تلقيها لا يتطلب جهداً أو تركيزاً على خلاف ثقافة الكلمة، فهذه الأخيرة قائمة على توالي الكلمات، فيما الصورة تعطى دفعة واحدة.
بعض الباحثين يقارن بين الحرب الإعلامية والنفسية التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية مدة دخول قواتها العراق، والتي قامت على مفردات من نوع الصدمة والرعب، وبين ما يقوم به «داعش» من مسرحة القتل والذبح، وإدخال عوامل الإثارة «الهوليوودية» على تصوير مشاهد الحرق أو قطع الرؤوس.
سمعتُ من أحد المحاضرين ذات مرة أنه في رحلته الأولى للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة فيها عندما كان شاباً لم يبلغ العشرين، شاهد، وهو في الطائرة، فيلم كارتون يصور قيام طائرات بقصف برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك.
كان ذلك قبل عدة سنوات من كارثة 11 سبتمبر.