ثمة أمراض عميقة فى مجتمعنا، يبدو اننا لسنا متيقظين لها كما يجب، وظني انه لا أحد انشغل بما يجري على ارض الواقع، وبذل ولو الحد من الجهد المفترض وقام بالرصد والتشخيص والتحليل، يكفي ان نتمعن في هذه النوعية من الاحداث التي باتت مادة يومية تنشرها صحفنا المحلية وهي في مجملها تدعونا الى تفحص جذور المشاكل، وليس السطح فقط، انها على وجه الإجمال أحداث تحكي لنا وتحكي عنا، وتؤرقنا، ونتجرعها بمرارة شديدة، اخبار عناوينها من نوع :
ـ طبيب يصدر شهادات مرضية مقابل 15 دينارا ..!!
ـ ام تناشد سمو رئيس الوزراء للنظر فى تعرض ابنها لهجوم وحشي من زملائه ، وتطالب بمساعدتها في استرجاع حقها وتتساءل : ألسنا في بلد القانون ..؟!
ـ أهالي المحرق : فرجاننا مليئة بالأجانب وسواحلنا محتلة من أصحاب العشيش ..!
ـ 3 سنوات لرئيس وعضو مجلس ادارة شركة عقارية بتهمة اختلاس معدات بأكثر من 2 مليون دينار، وبيعها بنصف الثمن ..!
ـ لجنة تحقيق خاصة ضد مسؤولين بالصحة حولوا موازنة مركزين صحيين بالحنينية لمنطقة أخرى دون الرجوع الى الوزير، ما تسبب في تأخير المشروع وضياع موازنته ..!
ـ 4 سنوات لمسؤول رفيع استولى على مجوهرات بقيمة 95 ألف دينار ..!
ـ نائب يقتحم حرمة مدرسة لغرض تولي التحقيق فى حالة تعرض طالب للضرب، ووزارة التربية تعترض لأنه لم يراع الفصل بين السلطات ..!
ـ حبس محام متورط ببيع مخدرات ..! ، وطبيبان متهمان بإصدار شهادات مزورة ..!
ـ مؤذن مسجد متهم بالاعتداء على عرض طفل مستغلاً معاناته من تخلف عقلي أثناء تحفيظه القران ..!
ـ معلم يقدم على ضرب طفل بكرسي ..!
ـ مهندسو صيانة الطائرات فى صفوف العاطلين ..!
ـ إحالة مدير عام سابق وموظفين بوزارة البلديات بتهمة التلاعب فى مستندات رسمية تسببت فى تضرر عملية دعم الصيادين ..!
ـ 10 آلاف صياد أجنبي فى البحرين يهددون الثروة البحرية ..!
ـ التحقيق فى ضرب طفل من قبل مديرة حضانته ..!
ـ قضية اتجار بالبشر تضم 5 متهمين ..! ، وفى قضية أخرى : ضرب وتعذيب خادمة ..!!
ـ عربي يجبر كولومبيات ودومينكيات على الدعارة بالبحرين ..!
ـ شاب يختطف طفلا ويغتصبه ..!
ـ مدرس خصوصي لدى مدرسة معروفة متهم بالاعتداء على عرض تلميذتين «7 و 10» سنوات ..!!
ـ نائب يقترح فحصاً عاماً للطلاب للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات والمؤثرات العقلية .. !!
ـ الحبس سنة لثلاثة ضربوا شاباً وصوروا بالفيديو ..!!
ـ بحرينيون ينصبون على استراليين بـ 1,65 مليون دينار اوهموهم باستثمار أموالهم بضمان عقارات وهمية ، فى واقعة احتيال تنظر فيها المحاكم منذ 6 سنوات ..!
ـ مدرسة خاصة تفصل 6 طلاب لإقدام أولياء أمورهم بشكوى ضد المدرسة بسبب صعوبة امتحان الرياضيات، وتغيب معلمة المادة 3 أسابيع.
ـ جامعية لم تكمل العشرين تسرق مصوغات بقيمة 100 الف دينار من صديقتها..!
تلك عينة لوقائع تثير الأسى نشرت ومرت علينا مرور الكلام، وهى غيض من فيض، هي دالة على ان مجتمعنا يعج بما هو مثير للحيرة ولكثير من علامات الاستفهام والتعجب، وقائع لم نكن نألفها أو لم تكن بالحدة الحالية قبل سنوات مضت، قلنا إنها باعثة على أسى مضافاً اليه الكثير مما يبعث على القلق، ليس فقط لما يحدث ولكن للصمت على ما يحدث، من جهات وأطراف يفترض أنها معنية ومختصة على الأقل بالبحث والتشخيص للعوارض ولمواطن الخطأ والخطر لعلنا نبلغ المعالجات المدروسة قبل فوات الأوان – هذا بافتراض ان الأوان لم يفت بعد – ولكننا لم نجد من يكترث، وكأن ثمة استخفاف رهيب بكل مايجري، والأسوأ ان هؤلاء واولئك كأنهم لا يستشعرون المعنى او المعاني فى مايجري، وان كانوا يعرفون فهذه مصيبة، وان كانوا لا يعرفون فتلك مصيبة أعظم ، معانٍ لايمكن إغفالها وهي في ابسط تحليل ان المشاكل الاجتماعية التى يعرّفها بيتر ولسلي بانها تلك التى ينتج عنها تعاسة او شقاء خاص او عام وتتطلب جهداً جماعياً لمواجهتها، ويعرّفها بوبلن بانها نمط من السلوك الذى يشكل تهديداً للمجتمع، ويراها فولير بانها انحراف عن المعايير الاجتماعية، هذه المشاكل الاجتماعية عندنا لم نجد من أخذ على عاتقه ان يبذل جهداً معتبراً يبحث فى دفتر أحوالنا، ويقلب فى صفحات مشاكلنا.
لسوء الحظ او لسوء التفكير وقصر النظر، ان المعالجات حتى الان لاتزال فى معظمها تعالج على المستوى الأمني، والمستوى الوعظي الى حد ما، وكلاهما رغم اهميتهما لا يستطيعان ان يضعا حداً لهذا الخلل الاجتماعي المقلق، ولا لهذا السريان لقيم أخلاقية وسلوكية منحرفة، والمؤسف حقاً ان أسباب تخلخل المجتمع وإعادة «تفنيط» أوراقه، بمعنى معالجة الجذور، حتى لا تصبح الحبة قبة، او تكون اي معالجات مستقبلية عرضة للعمل في واد غير ذي زرع .. هذه الأسباب لم تنل ما تستحقه من اهتمام، والمشاكل والأمراض الاجتماعية ومستوياتها، والظروف المنتجة والحاضنة لها تتسع، وتشمل أنماطاً يفرزها الواقع الراهن.
مشاكل مردها الفقر، البطالة، المخدرات، البحث عن الكسب السهل، اشاعة قيم الفساد والافساد، التعدي على حقوق الغير، المتاجرة بالبشر والتشوهات فى سوق العمل، أثر التركيبة السكانية الجديدة، مشاكل الوافدين وبعض حديثي التجنيس ، العنف فى المدارس والشارع والاسواق، سيادة ثقافية الاتكالية والانتهازية والوصولية والكراهية والاتباع والاستتباع والتمذهب، وماهو سيئ يصير أسوأ ،،، الى آخره.
المعنيون، وفي المقدمة منهم، علماء النفس والاجتماع، والتربويون، وغيرهم ممن يفترض انهم معنيون، ومعهم من هم ذو ألفة بالتمعن في مجريات هذا الواقع ويدركون حق الإدراك بان هذا الذي يجري مقلق، هل يأخذون على عاتقهم مسؤولية عدم وضع هذا الملف على الرفوف مع باقي الملفات والبضائع ..! وان يخضعوه لنقاش عام، بدلا من هذه السلبية المجحفة، فمنعطفات الخطر في ملف الأمن الاجتماعي تسري في الأعماق حتى لو بدا السطح هادئاً، وتقول ما لم يقل بعد، وما سيكون عليه الغد يصعب التنبؤ به، ولكن يظل السؤال: كيف ومن اين نبدأ..؟!
حرر في 19 مايو 2015