تنتابنا الحيرة إزاء هذه الأطر من ملتقيات واجتماعات ومؤتمرات انعقدت هنا وهناك وهنالك، تحت مظلة حوار الأديان بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى، ربما آخرها، هذا الذي انعقد مؤخراً في اليابان بتنظيم من رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع جمعية مسلمي اليابان، والمؤتمر العالمي للأديان من اجل السلام في اليابان.
المقاصد لهذا المؤتمر، كما لغيره مما سبقه، مقاصد معلنة لا تخرج عن «التأكيد على التقارب مع مقاصد الشرائع السماوية، ومواجهة مخاطر ثقافة الكراهية والتعصب، واستنهاض همم الشباب من اجل خلق عالم يسوده الحب والاحترام، وتعزيز لغة الحوار بين أتباع الاديان والثقافات وفهم الآخر واحترام معتقداته..» الى آخر المعزوفة..
الأهداف نبيلة من دون شك، ولا اعتراض على هذه النوعية من المؤتمرات ولا على المراكز التي أنشئت في سبيل تحقيق تلك الأهداف، حتى وان عدها البعض انها من باب «علاقات عامة »..!!، ولكن، أليس الأكثر ضرورة والأكثر الحاحاً، والأكثر احتياجاً ان تركز اليوم على حوارات من نوع جديد، حوارات فيما بين المسلمين أنفسهم، بين أبناء الدين الواحد، الذين باتت تفرقهم المذاهب والسياسة والمصالح والعصبية والتطرف،.. بعد ان اصبح بعضهم –نقول بعضهم– ينظر إلى الآخر كما لو كان كافراً، او آثماً، او خارجاً عن الملة، أو حتى عدواً..!!.
اليس من الأفضل ان يتنادى عقلاء المسلمين وقادتهم ومرجعياتهم إلى هذه النوعية من الحوارات، حوارات تنقذنا من هذا المستنقع الطوائفي المفتوح على كل الاحتمالات بين أبناء الدين الواحد الذي بات اعداؤه والكارهون له يشعرون بامتنان وغبطة شديدة حيال ما يقوم به، ويتفنن فيه من هم محسوبين على هذا الدين ويمارسونه وينتجونه من خراب وفواجع بدرجة مفزعة لم تكن تخطر على بال، الأمر الذي وفر لاعداء هذا الدين الكثير من الجهد والعناء، كل ما عليهم ان ينقلوا إلى العالم بالصوت والصورة ما تفعله هذه الجماعة او تلك في بعض بلداننا العربية والإسلامية من توحش ومذابح ومجازر، ومما لا حصر له ولا احصاء من صور الفظاعات والإرهاب الفالت من كل عقال والمتكئ على احترافية عالية تنتج مناخات فتنوية عالية الوتيرة، لا تفرز الا نتائج كارثية لها قدر لا حدود له من الفجاجة، مجرمين وقتلة وقتلى وقطع رقاب ومفقودين ومهجرين وتفريخ حروب على الهوية الفعلية والمضمرة بين الحلفاء والاخوة ومن يجمعهم الدين والقواسم المشتركة. وكأنها حروب الجميع ضد الجميع، او هكذا يريد لها البعض ان تكون، استبدلوا العداء لاسرائيل بالعداء بين الأخوة، والخاسر في هذا الذي يجري الكل، حتى اولئك الذين يظنون انهم يربحون ..!
ليس هذا نوعاً من الجرد، او التحليل لهذا الحمق والبلاهة وكيف يجري التلاعب بالوعي واللعب بالنار، ولكننا نذّكر ببعض بديهيات الامور، فنحن في هذه المرحلة المتفجرة كالبراكين، مرحلة فيها متطرفون ومهوسون بالتعصب، يريدون الأوطان على مقاسات الاديان والمذاهب، اصحاب ضيق أفق وضيق إيمان يزعمون انهم يدافعون عن العقيدة والفكر الإسلاميين، ويحملون راية الصحوة الإسلامية، فيما هم واقعاً يجعلون الساحة الإسلامية نازفة يختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وما يعد كارثة باي معيار ..!!، كارثة ان تمارس الكثير من الفواجع باسم الدين، وباسم الإسلام على النحو الذي نشهده اليوم والزاخر بكثير مما يسبب الصدمة والاستنكار، من تعصب، وتطرف، واستعداء، وتشطير، وعنف، وتكفير، وتحريض وتحليل لحرمة الدماء وتكريس التخلف، وكل ما يهيئ لواقع انشطاري، بل ولحروب دينية وطائفية تصيب المجتمعات العربية في داخلها، وتغيب الرشد والعقلانية وتستحضر كل الجروح العميقة والغائرة والعفنة، حروب يعتدى فيها على العقل والكرامة الانسانية وفرض مفاهيم غريبة في بيئات متخمة بتجارة المفاهيم والشعارات، والهدف جعل الماضي هو المستقبل، كل ذلك يتم برداء ديني يتدثر به هؤلاء الداعون الى أسلمة المسلمين على طريقتهم وكيفما يشاؤون.
الحوار فيما بين المسلمين، وفيما بين المذاهب داخل الدين الإسلامي الواحد، هو الذي بات اكثر الحاحاً، خاصة في ظل من يريد ان يدفع دوماً بمسارات الامور الى الأسوأ، الجهد المطلوب الان سيكون اكثر جدوى من مؤتمرات حوار الاديان التي لم تخرج من نخبويتها..!!، وسنظل على قناعة بان اي جهد يبذل في هذا المجال، لا بد ان يرافقه جهد يدفع الاتجاه صعوداً نحو قيمة المواطنة، والإعلاء من شأنها ومقامها، ذلك كفيل بان يدفع ضمن ما يمكن ان يدفع اليه، الالتزام بالقيم الإنسانية، وفي هذه الحالة سيكون على المرء ان يحدد ما اذا كان انتماؤه للدين، او الطائفة، او المذهب يعلو على انتمائه على الإنسانية، أيهما يسبق الآخر، ونحسب ان الإجابة على هذا السؤال، تحدد رؤية الواحد منا لكل من يتعامل معه، ففي حالة ما اذا اعتبر المرء نفسه إنساناً قبل اي اعتبار آخر، فانه قطعاً سوف يحترم الآخرين، ويحترم حقوقهم وخياراتهم واختياراتهم بغض النظر عن دينه او طائفته او مذهبه، او ملته او عشيرته او قبيلته، وتتفوق عنده المشاعر على الشعائر والشعارات والبشاعات، متحصناً بمنظومة القيم التي تتخطى الحدود العصبية وكل ما قد يفرز انعدام الجدوى، أما لو اعتبر المرء ان انتماءه للدين يسبق انتماءه الى الانسانية، وافتقد او غيّب أو سيّس او طأفن عمقه او انتماءه الإنساني، فانه بأبسط الأمثلة والكلام قد يدخل في غوغائية التعصب والهمجية، وفي ظلهما تضيع وتختلط مقاصده بمقاصد غيره، وتضيع غاياته في غاياتهم، والأخطر والأسوأ حين يأسرهم وطاويط الظلمة، يغرسون فيهم الأنياب والمخالب ويشربونهم السموم المدسوسة بجرعات مدروسة ويخنعون ..!!، والنتيجة تعرفونها، هزائم، وتراجع، وتشرذم، وانغماس في مشاريع خاصة، يتحول فيها المرء الى طائفي، او منغلق، او متوحش، وان توهم العكس، انحدار ثم انحدار ..!!، والسؤال: الى اين ..؟ والجواب غامض من شدة الوضوح..!!
حرر في 28 أبريل 2015