سئمنا المقارنات، ونعلم انها قد تزعج البعض، ربما من باب انها تجعله ينشغل
عما لديه بما لدى غيره، وربما لأنها تبين له او تذكره بأوجه قصور عنده، او
لأنها على الأقل تحرجه حين تلفت الانتباه الى ان ثمة عظات وعبرا من الآخرين
يمكن ان تنبه الجميع وتلفت أنظارهم الى شيء ما، هذه المرة نتوقف عند
مقارنتين، الاولى ذات صلة بالشفافية فيما يخص المال العام، والثانية من
سغافورة وكيف نهضت وتطورت.
نبدأ بالنرويج، وتحديدا من صندوق الحكومة النرويجية للتقاعد، وهو أكبر
صندوق سيادي فى العالم من حيث الأصول، استثماراته تبلغ 843 مليار دولار،
منها 65٪ في سوق الأسهم، و5% في سوق السندات، و5% في العقارات، يستثمر فى
8213 شركة فى 58 دولة، له استثمارات في أسواق الأسهم الخليجية، وله حصص في
شركات كبرى بالمنطقة، منها حصة في شركة ألومنيوم البحرين « ألبا « تبلغ
3.91%.
اهم ما يعنينا من أمر هذا الصندوق هو التزامه الصارم بسياسة شفافة جداً في
كل مجريات عمله، في كيفية تعاطيه مع الاستثمارات الموزعة، ومع كل شأن يخص
الصندوق، وهو الالتزام الذي جعله لايقدم على خطوة استثمارية من دون جرعة
كافية من الشفافية، ومن دون ان يضمن الإشراف والرقابة من اي شركة يريد ان
يستثمر فيها او يحصل على حصة منها.
هذا في النرويج، الكل هناك مطمئن أشد الاطمئنان الى حسن ادارة أموال
المتقاعدين، وهنا فى البحرين تأسست قبل سنوات شركة لإدارة استثمارات الهيئة
العامة للتأمين الاجتماعي تقع تحت مظلتها عدة شركات أموال المتقاعدين،
وقيل ان خطوة تأسيس هذه الشركة جاءت بعد دراسة مكثفة أعدها احد بيوت
الخبرة، خلصت الى تطوير الممارسات ذات الصلة فى مجال ادارة الأصول
التقاعدية وتحقيق افضل العوائد على أموال المتقاعدين والمستحقين عنهم، وقيل
بانه ستكون هناك نسبة عالية من الشفافية فى هذا الموضوع. وذلك كلام موثق
ومنشور.
ولكن المثير للدهشة، وربما الانزعاج الا يعرف الناس، الرأي العام كيف تمضي،
وكيف تدير هذه الشركة الأصول التقاعدية لتحقيق هدف الأمن المالي لأموال
المتقاعدين..!!، حتى الجمعية العمومية لهذه الشركة انعقدت مؤخراً، ولا احد
يعلم عن ذلك شيئاً، حتى خبر مقتضب عن هذا الاجتماع استكثر على الناس ،مما
حدا بنائب إلى المطالبة بالزام الشركات الواقعة تحت مظلة الهئية العامة
للتأمين الاجتماعي بنشر جميع التقارير المالية، وكذا موازناتها السنوية
والحسابات الختامية في الصحف اليومية وعى الموقع الرسمي للهئية.. ونخشى ان
تكون صرخة في وادن..!
المقارنة الثانية، من سنغافورة، هذه الدولة التي مساحتها أصغر من البحرين،
فقد وجدنا بان هذه الدولة قد حددت أولوياتها، وكان الاختبار الحقيقي
لنجاحها هو الأداء وليس الوعود، الانجاز وليس الاستراتيجات التي لاتقدم
ولاتؤخر، المنطق والواقعية في كل سياسة ومشروع، اهتموا بالاقتصاد والتنمية
وركزوا على التعليم النوعي انطلاقا من رؤية ترى بانه كلما زاد عدد
المتعلمين ارتفعت التنمية وقل حجم البطالة، بنوا المدارس والجامعات التي
كانت لها إسهامات في نمو الإبداع والابتكار وريادة الاعمال، كان همهم صناعة
الإنسان المتعلم والفاعل والمنجز، عملوا على بناء مجتمع آمن ومستقر، لا
يجوع فيه احد، مجتمع لا يحتاج فيه المواطن الى الاستجداء او التسول في
الشارع، او المناشدة بطلب المعونة في الصحف، كانوا عندما يجدون متسولا
يضعونه في منزله ويطعمونه ويحولونه منتجا، اهتموا بالبحث العلمي، بالمعايير
وبالإنجاز والإدارة الفعالة التي تؤدي الى نتائج واضحة وحاسمة وتحدد
الأمور الأحق بالأولوية بدقة وتحويلها الى نتائج ملموسة دون الإسراف في
تبديد الثروات والموارد، أما السياسة فقد نظر إليها بحسب مؤسس الدولة
بصفتها فناً، فن فهم البشر وفن تلمس احتياجاتهم، فن الممكن في سنغافورة حقق
لها الكثير، وفكرة المواطنة كانت أساس انطلاقتهم للكثير من الطموحات
والإنجازات، المواطنة حققت العضوية الكاملة والمتساوية بين الجميع، في
الحقوق والواجبات، وهذا يعني ان كل ابناء الوطن السنغافوري سواسية دون أدنى
تمييز في الدين او العقيدة او الجنس او اللون او المستوى الاقتصادي، هناك
بالنسبة الى الفساد، لا ينظرون الى عملية السيطرة على الفساد على انها مجرد
قضية أخلاقية وفضيلة وإنما ضرورة وحاجة، لم يجعلوا القرار السياسي بمحاربة
الفساد مجرد خطب وشعارات، حاربوه بالفعل وبالقانون الذي يطبق على الجميع
من دون استثناء، ركزوا على الادارة وتأصيل معايير النجاح والمهارات للترقي
في العمل، ومنحوا المناصب لأهل الخبرة والمفهومية والذكاء والإبداع وافسحوا
المجال للاجيال الجديدة التي تضفي الى المسؤولية العامة مزيداً من الحيوية
والتألق واستقامة الأداء، وليس لأهل الثقة من الحمقى وعديمي الكفاءة
والوصوليين، ولم يترددوا في استبدال القوي الأمين بمن اعجزته كفاءته وجار
على امانته، ولم يفتحوا الباب لأنانيات تطغى او لبطولات وهمية لأي كان، او
لثقافة البهرجة والصخب وما يصّدر الإحباط..!!
أما لماذا التناول لهذه التجربة او تلك، فهي مسألة متروكة لكم، وإذا كنا
نعلم ان هناك إمكانات وموارد وفارقا كبيرا بيننا وبينهم، الا ان الشيء
المؤكد ان هناك أشياء غير مرتبطة تماماً بالإمكانيات، ولعلها مرتبطة بتعزيز
منظومة تكافؤ الفرص وبحصول المواطن على ما تؤهله له قدراته وكفاءته، بوجود
الضوابط التى تكفل محاربة الفساد وتعارض المصالح، وعدم جعل أوجاع الناس
سوقاً للمزايدات والمناشدات، او جعل حقوق الناس هبات ومكرمات، وجعلوا
سياسات العدالة الاجتماعية داعمة للنمو الاقتصادي، بإدراك عنصر الوقت وكثرة
الأفعال وقلة الكلام، واخضاع الجميع للقانون وعدم استثناء احد من احكامه
واوامره ونواهيه، القانون الذي يحترم المواطنة ويجعل كل التحالفات المدنية
والروئ والقيم المشتركة تبنى على أساسها، ويجعل الضمير هو الستار الذي يحمي
من شطط النزوات، وجبروت الرغبات، وعشوائية المطامع، وأنانية من يظنون انهم
يستطيعون انجاز شيء بدونه وعلى هذا الاساس يوضع الرجل المناسب في المكان
المناسب لصالح كل ماهو غير مناسب للنزاهة والمصلحة العامة..!
ما نريد ان نخلص اليه، انه لم يعد كافياً ان ننظر بإعجاب ممزوج بالدهشة
لما يحدث في اي من تلك الدول او غيرها، ولم يعد شافياً للغليل ان نشيد
بتجربة النرويج او سنغافورة او ماليزيا او اي من الدول، او نبعث وفوداً
رسمية للاطلاع على تجربة هذه الدولة او تلك، بل المطلوب ان نفهم ونستوعب
كيف ولماذا وعلى اي أسس حققت تلك الدول ما حققته وما أنجزته لمواطنيها..؟،
وقبل ذلك يقفز الى أذهاننا سؤال: هل نحن جادون حقاً فى الاستفادة من تجارب
تلك الدول ..؟!
عما لديه بما لدى غيره، وربما لأنها تبين له او تذكره بأوجه قصور عنده، او
لأنها على الأقل تحرجه حين تلفت الانتباه الى ان ثمة عظات وعبرا من الآخرين
يمكن ان تنبه الجميع وتلفت أنظارهم الى شيء ما، هذه المرة نتوقف عند
مقارنتين، الاولى ذات صلة بالشفافية فيما يخص المال العام، والثانية من
سغافورة وكيف نهضت وتطورت.
نبدأ بالنرويج، وتحديدا من صندوق الحكومة النرويجية للتقاعد، وهو أكبر
صندوق سيادي فى العالم من حيث الأصول، استثماراته تبلغ 843 مليار دولار،
منها 65٪ في سوق الأسهم، و5% في سوق السندات، و5% في العقارات، يستثمر فى
8213 شركة فى 58 دولة، له استثمارات في أسواق الأسهم الخليجية، وله حصص في
شركات كبرى بالمنطقة، منها حصة في شركة ألومنيوم البحرين « ألبا « تبلغ
3.91%.
اهم ما يعنينا من أمر هذا الصندوق هو التزامه الصارم بسياسة شفافة جداً في
كل مجريات عمله، في كيفية تعاطيه مع الاستثمارات الموزعة، ومع كل شأن يخص
الصندوق، وهو الالتزام الذي جعله لايقدم على خطوة استثمارية من دون جرعة
كافية من الشفافية، ومن دون ان يضمن الإشراف والرقابة من اي شركة يريد ان
يستثمر فيها او يحصل على حصة منها.
هذا في النرويج، الكل هناك مطمئن أشد الاطمئنان الى حسن ادارة أموال
المتقاعدين، وهنا فى البحرين تأسست قبل سنوات شركة لإدارة استثمارات الهيئة
العامة للتأمين الاجتماعي تقع تحت مظلتها عدة شركات أموال المتقاعدين،
وقيل ان خطوة تأسيس هذه الشركة جاءت بعد دراسة مكثفة أعدها احد بيوت
الخبرة، خلصت الى تطوير الممارسات ذات الصلة فى مجال ادارة الأصول
التقاعدية وتحقيق افضل العوائد على أموال المتقاعدين والمستحقين عنهم، وقيل
بانه ستكون هناك نسبة عالية من الشفافية فى هذا الموضوع. وذلك كلام موثق
ومنشور.
ولكن المثير للدهشة، وربما الانزعاج الا يعرف الناس، الرأي العام كيف تمضي،
وكيف تدير هذه الشركة الأصول التقاعدية لتحقيق هدف الأمن المالي لأموال
المتقاعدين..!!، حتى الجمعية العمومية لهذه الشركة انعقدت مؤخراً، ولا احد
يعلم عن ذلك شيئاً، حتى خبر مقتضب عن هذا الاجتماع استكثر على الناس ،مما
حدا بنائب إلى المطالبة بالزام الشركات الواقعة تحت مظلة الهئية العامة
للتأمين الاجتماعي بنشر جميع التقارير المالية، وكذا موازناتها السنوية
والحسابات الختامية في الصحف اليومية وعى الموقع الرسمي للهئية.. ونخشى ان
تكون صرخة في وادن..!
المقارنة الثانية، من سنغافورة، هذه الدولة التي مساحتها أصغر من البحرين،
فقد وجدنا بان هذه الدولة قد حددت أولوياتها، وكان الاختبار الحقيقي
لنجاحها هو الأداء وليس الوعود، الانجاز وليس الاستراتيجات التي لاتقدم
ولاتؤخر، المنطق والواقعية في كل سياسة ومشروع، اهتموا بالاقتصاد والتنمية
وركزوا على التعليم النوعي انطلاقا من رؤية ترى بانه كلما زاد عدد
المتعلمين ارتفعت التنمية وقل حجم البطالة، بنوا المدارس والجامعات التي
كانت لها إسهامات في نمو الإبداع والابتكار وريادة الاعمال، كان همهم صناعة
الإنسان المتعلم والفاعل والمنجز، عملوا على بناء مجتمع آمن ومستقر، لا
يجوع فيه احد، مجتمع لا يحتاج فيه المواطن الى الاستجداء او التسول في
الشارع، او المناشدة بطلب المعونة في الصحف، كانوا عندما يجدون متسولا
يضعونه في منزله ويطعمونه ويحولونه منتجا، اهتموا بالبحث العلمي، بالمعايير
وبالإنجاز والإدارة الفعالة التي تؤدي الى نتائج واضحة وحاسمة وتحدد
الأمور الأحق بالأولوية بدقة وتحويلها الى نتائج ملموسة دون الإسراف في
تبديد الثروات والموارد، أما السياسة فقد نظر إليها بحسب مؤسس الدولة
بصفتها فناً، فن فهم البشر وفن تلمس احتياجاتهم، فن الممكن في سنغافورة حقق
لها الكثير، وفكرة المواطنة كانت أساس انطلاقتهم للكثير من الطموحات
والإنجازات، المواطنة حققت العضوية الكاملة والمتساوية بين الجميع، في
الحقوق والواجبات، وهذا يعني ان كل ابناء الوطن السنغافوري سواسية دون أدنى
تمييز في الدين او العقيدة او الجنس او اللون او المستوى الاقتصادي، هناك
بالنسبة الى الفساد، لا ينظرون الى عملية السيطرة على الفساد على انها مجرد
قضية أخلاقية وفضيلة وإنما ضرورة وحاجة، لم يجعلوا القرار السياسي بمحاربة
الفساد مجرد خطب وشعارات، حاربوه بالفعل وبالقانون الذي يطبق على الجميع
من دون استثناء، ركزوا على الادارة وتأصيل معايير النجاح والمهارات للترقي
في العمل، ومنحوا المناصب لأهل الخبرة والمفهومية والذكاء والإبداع وافسحوا
المجال للاجيال الجديدة التي تضفي الى المسؤولية العامة مزيداً من الحيوية
والتألق واستقامة الأداء، وليس لأهل الثقة من الحمقى وعديمي الكفاءة
والوصوليين، ولم يترددوا في استبدال القوي الأمين بمن اعجزته كفاءته وجار
على امانته، ولم يفتحوا الباب لأنانيات تطغى او لبطولات وهمية لأي كان، او
لثقافة البهرجة والصخب وما يصّدر الإحباط..!!
أما لماذا التناول لهذه التجربة او تلك، فهي مسألة متروكة لكم، وإذا كنا
نعلم ان هناك إمكانات وموارد وفارقا كبيرا بيننا وبينهم، الا ان الشيء
المؤكد ان هناك أشياء غير مرتبطة تماماً بالإمكانيات، ولعلها مرتبطة بتعزيز
منظومة تكافؤ الفرص وبحصول المواطن على ما تؤهله له قدراته وكفاءته، بوجود
الضوابط التى تكفل محاربة الفساد وتعارض المصالح، وعدم جعل أوجاع الناس
سوقاً للمزايدات والمناشدات، او جعل حقوق الناس هبات ومكرمات، وجعلوا
سياسات العدالة الاجتماعية داعمة للنمو الاقتصادي، بإدراك عنصر الوقت وكثرة
الأفعال وقلة الكلام، واخضاع الجميع للقانون وعدم استثناء احد من احكامه
واوامره ونواهيه، القانون الذي يحترم المواطنة ويجعل كل التحالفات المدنية
والروئ والقيم المشتركة تبنى على أساسها، ويجعل الضمير هو الستار الذي يحمي
من شطط النزوات، وجبروت الرغبات، وعشوائية المطامع، وأنانية من يظنون انهم
يستطيعون انجاز شيء بدونه وعلى هذا الاساس يوضع الرجل المناسب في المكان
المناسب لصالح كل ماهو غير مناسب للنزاهة والمصلحة العامة..!
ما نريد ان نخلص اليه، انه لم يعد كافياً ان ننظر بإعجاب ممزوج بالدهشة
لما يحدث في اي من تلك الدول او غيرها، ولم يعد شافياً للغليل ان نشيد
بتجربة النرويج او سنغافورة او ماليزيا او اي من الدول، او نبعث وفوداً
رسمية للاطلاع على تجربة هذه الدولة او تلك، بل المطلوب ان نفهم ونستوعب
كيف ولماذا وعلى اي أسس حققت تلك الدول ما حققته وما أنجزته لمواطنيها..؟،
وقبل ذلك يقفز الى أذهاننا سؤال: هل نحن جادون حقاً فى الاستفادة من تجارب
تلك الدول ..؟!