يشكل اطراد نمو عدد سكان المعمورة، عنصر إزعاج، يصل أحياناً حد الإحباط، لدى كل القائمين على جهود تثوير النمو والتنمية الشاملة، المتوازنة، أو المتمتعة على الأقل بقدر من الاستدامة . فلقد وصل تعداد سكان العالم اليوم الى رقمه القياسي وهو سبعة مليارات وحوالي 230 مليون نسمة، يعيشون وينتشرون على مساحة الكوكب المائي (الكوكب الأرضي) البالغة حوالي 510 ملايين (000 .072 .510) كيلومتر مربع، لا تشكل اليابسة منها سوى 8 .29%، أي حوالي 149 مليوناً (063 .939 .148) كيلومتراً مربعاً . وللمقارنة فقط كان تعداد سكان العالم في عام 1804 حوالي مليار نسمة وراح يتزايد سريعاً إلى أن بلغ نحو أربعة أضعاف خلال القرن العشرين . ففي عام 1927كان التعداد ملياري نسمة، ارتفع في عام 1960الى 3 مليارات نسمة، والى 4 مليارات نسمة في عام ،1974 والى 5 مليارات نسمة في عام ،1987 والى 6 مليارات نسمة في عام ،1999 سرعان ما ارتفع الى 7 مليارات نسمة عام 2012 . وبزيادة عدد سكان الأرض بمعدل 79 مليون نسمة كل عام يزيد تعداد الأرض بمعدل 150 نسمة كل دقيقة أو 216000 نسمة يومياً . وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن تعداد سكان العالم سيرتفع الى 8 مليارات نسمة في عام 2025 والى نحو 2 .9 مليار نسمة في 2050 .
فريق أكاديمي مشترك مكون من 58 عضواً من الجامعات الوطنية حول العالم، كان قد أطلق في عام 1994 تحذيراً مفاده “أن الأرقام الحالية لنمو السكان في العالم لم يسبق لها مثيل، وأن الكثير من المشكلات البيئية ومنها كافة أنواع التلوث، والتغيرات المناخية الخطرة مثل ارتفاع نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتسببها في ظاهرة الاحتباس الحراري، تفاقمت بسبب الزيادة المطردة في عدد السكان” . ونحن بدورنا نضيف الى ذلك ما يصاحب هذا الفيض السكاني من ارتفاع في استهلاك وإهدار الموارد، الناضب منها والمتجدد .
بهذا المعنى، يمكن القول إن الكوكب الأرضي صار يضيق ذرعاً بثقل ملياراته من البشر، الممعنين بممارساتهم العدمية في إيذائه، غير المكترثين بعواقبها الكارثية على طاقته الاحتمالية وتوازنه الطبيعي، البيئي والمناخي، وعلى أجيالهم هم أنفسهم .
وما يزيد الطين بلة هو ارتفاع وتيرة الضغط على الكوكب الأرضي نتيجة لتزايد جشع رأس المال ونهمه، ما رفع من منسوب تهديدات الكوارث المتوثبة للانقضاض عليه في أي وقت ومهاجمته، هو وقاطنيه، بضراوة لم يعرفا لها مثيلاً من قبل . فكان لابد أن يُفضي ذلكم التوحش إلى تعظيم مستويات التهميش والإفقار الى درجة الجنون، حيث صار 1% من سكان الكوكب يحوزون ثروات تعادل مجمل الثروات التي تحوزها نسبة ال 99% منه وفقاً لآخر تقرير أصدرته منظمة “أوكسفام انترناشيونال” البريطانية ووزعته على كبار أثرياء العالم المشاركين في منتدى دافوس الاقتصادي الذي استضافته سويسرا خلال الفترة من 21 الى 24 يناير/كانون الثاني 2015 . وجاء في التقرير بأنه بحلول عام 2016 المقبل سوف تستحوذ نسبة ال1% من أثرى أثرياء العالم على 50% من اجمالي الثروات العالمية . وانه بعد أن كان 388 مليارديراً عالمياً يستحوذون في عام 2010 على ما يوازي مجمل الثروة التي يحوزها 5 .3 مليار من ذوي المداخيل المتواضعة، انخفض العدد في العام الماضي الى 88 مليارديراً فقط!
فلابد والحال هذه، أن يسفر هذا الفيض من الضغط المزدوج، السكاني واتساع الفجوة الاجتماعية بين قاطني الكوكب، إلى إفرازات سلوكية بشرية ارتدادية سلبية تبدأ بالتمظهر في صورة هجرات غير شرعية من مناطق الجدب الى مناطق الوفر، وتفجر اختناقات هذا التمايز على شكل جرائم كبرى منظمة تعتمد الأيديولوجيات المتطرفة، بما فيها الأيديولوجيا الدينية، أداةً للتحشيد، والارهاب الأسود وسيلةً للهجوم المضاد تقوم بها القوى الناقمة والمتمردة على المقاربة التي يفرضها جهابذة رأس المال العالمي على الكوكب الأرضي وقاطنيه . فيأتيها الرد سريعاً من جانب قوى رأس المال والمؤسسات الحاكمة التي تذود عن مصالحه، على هيئة حروب “جهوية صغيرة” هنا وهناك تتكفل بقضم فائض السكان وتقيحاته . ولكن حين تجد تلك القوى القابضة على المقود العالمي أن هذه الحروب الجزئية لا تقدم لها كل الحل الذي يوفر لها بيئة عمل خالية من أي صداع، فلربما “تضطر لتجربة” خيارات أخرى “أكثر نجاعة”!