غريب أمر هذه البلاد، في تواطؤ الاستغفال والجهل، في الفساد والإفساد، فتسودها الفُرْقَة على أساس الدين، ثم تتوالد هذه الفرقة على أساس المذاهب في الدين الواحد، وتتناثر على أساس الفِرَقْ في كل جماعة ومذهب، وتتعاظم تلك الفُرْقَة بالجيرة إلى القبيلة وإلى الجماعة، وكلٌ يكره الكل، فيرفع الجميع كل أشكال البيارق، عدا شعار الوطن والمواطنة، إلا قلة ممن رحم ربي، في ظل غياب دور الدولة الحيادي الخادم للمجتمع كوحدة وطن.
والكل يتغالب جرياً إلى المغانم الشخصية، سواءً في شكل الغنيمة المُستَحصَلة أو في الضر بالآخر، ولا حساب عليهم في ذلك، مادام مسئولو بعض الأجهزة، آخر من يبرأ من ذات الشبهات، دون جزاء أو حساب، ولنا في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية دليل ذلك.
لذا ليس غريباً ولا مستنكراً، ما يثار هذه الأيام من شبهات تمسّ الأمانة الإدارية والحقوقية، حول أداء رئاسة مجلس النواب، في تنفيذ قرار هيئة مكتب مجلس النواب، وفصل مساعد أمين عام الأمانة العامة لمجلس النواب من عمله، بقرار متجاوز في ظاهره لقوانين وحقوق العاملين، من حيث أنه لا جزاء من دون تحقيق ومساءلة.
إلا أننا رأينا الأطراف تتبنى المواقف، في شتى احتمالاتها، عدا موقف الحق والحياد، على قاعدة الفرقة التي ذكرنا في بداية المقال، فهناك من خَطّأ القرار والإجراء، بناءً على أنهما ماسان به وبجماعته، بدل طلب المساءلة والتحقيق، وهناك من صَوَّب وأشاد بالقرار والإجراء، على خلفية «ماداموا مو من جماعتنا، يستاهلون وعساهم وأكثر»، وهناك من أفرحته أوتار الانتقام لما أصابه منهم، في سابق الأيام من ذات الفعل، قائلاً «ذوقوا ما أذقتمونا».
وغفل الجميع أو تم إغفاله، بعيداً عن أصل المَصاب ومصدر الطعن، ألا وهو غياب دولة المؤسسات والقانون، وإهدار الحقوق وتجاوز العدالة والمساواة، والكيل بمكيالين، في فعل مبني على ميزان «من هو منا لا يطبق عليه القانون»، والأدهى أن الجهة التشريعية، وهي المعنية بتضادد مواقف أعضائها، تبنوا أحد موقفين، بناءً على قاعدة «مصابهم نفع لنا»، إما مع القرار والإجراء أو ضدهما، ولا ثالث للموقفين، مادامت النتيجة هي الضر أو الاستفادة بالتدوير ما بين الأطراف المعنية.
في حالةٍ كهذه، ما هو سبيل الاحتكام وجهته، وخصوصاً أن الأطراف المتخاصمة، هم أعضاء منتخبون في مجلس النواب، فمعلوم أن النيابة والقضاء لا يستطيعون مساءلة النواب، إلا في حالة أن يسقط النواب الحصانة النيابية عن بعضهم البعض، والمأساة أنهم إن فعلوا، في قضية كهذه، مُثارة فيها شبهة «الحزبية»، فإنهم جميعاً يمارسونها، دون إستثناء، وخصوصاً في مثل قضية التوظيف هذه، وليس هناك استثناء بينهم، ممن ربما يدَّعون الحياد، والصالح الوطني العام، فلو كان كذلك، لما قَبِل أكثرهم أن يفرضوا أنفسهم تمثيلاً لمن لم ينتخبهم، بناءً على قانون استنوه لأنفسهم، أو قبلوه عن غيرهم ممن سبقهم، ربما بدءًا دون علم ودراية باحتمالات مآلاته العملية. ولكن الأمر بات واضحاً من مستوى الرئاسة إلى العضوية، بمستوى التمثيل الانتخابي لكل منهم، فلو كان لأي منهم ذمة أحقية التمثيل، لما احتجَّ بقانون غير عادل، ولاستهل عمله النيابي بتصحيح القانون، ليعكس موضوعه المساواة والعدالة، والنظام الانتخابي عادل التمثيل، كما يغير المؤمنُ المنكرَ بيده، وإن لم يستطع لاستقال كل من لم ينل فوق الخمسين في المئة من كتلة الدائرة، ليفتح المجال لإجراء إعادة الانتخابات، من بعد حل أي إشكال يعيق حقوقية التمثيل.
وعلى مستوى القضية المثارة، فقد دأب المجلس على تشكيل لجان تحقيق نيابية، لكل ما يثار حوله أي شبهة، فلماذا إغفال هذه الأداة الرقابية بالذات إزاء هذه القضية، هل لأن القضية تمس ذات المجلس، لينطبق على المجلس القول: «القانون لا يطبق علينا»؟ ومتى كان لأي رئيس أو مدير، أن يفصل أي موظف من عمله، بناءً على ما يراه ويهواه كمسئول صاحب سلطة، دون اتباع النظام وإجراء المساءلة والتحقيق؟
والمساءلة والتحقيق في هذا الصرح التشريعي، له أدواته الرقابية، بتكليف لجنة تحقيق مستقلة من خارج المجلس ومن خارج الحكومة، حيث جميعهم أصحاب مصلحة، وهذه اللجنة يتوجب أن تكون بتكليف نيابي لمختصين، مع ضمان الإسقاط التلقائي للحصانة النيابية، عن أي نائب تطلب اللجنة إزاءه ذلك، لغاية التحقيقات، أو ليُقدَّم إلى النيابة والقضاء، فيما تتوصل إليه اللجنة من إدانات نتيجة تحقيقاتها، سواء فيما يتعلق بالإجراء الإداري لفصل الموظف، أو ما يتعلق من استكشافات أخرى جراء التحقيق.
أم أن المجلس يحمي أعضائه ضد المواطن والوطن؟
صحيفة الوسط البحرينية – 18 فبراير 2015م