حقيقةً هنا لا اريد ان اخوض في تفاصيل عديدة لفترة النضال التي عايشناها و نحن نعمل في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية, و التي كانت فيها الانشطة الحزبية تدار فى غاية من السرية و بطموح ثوري, وبكثير من الاحتراف فى مسالة القيام بالانشطة الجماهيرية و المهام التنظيمية و الثقافية, لكن هنا سوف اكتفي بالاشارة لمآثر الرفاق ابان نضالاتهم في صفوف الجماهير, و حجم التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل ان يتحرر شعب البحرين من قبضة الاستعمار البريطاني, و ايضا من اجل الحرية و الديمقراطية و ان ينعم شعب البحرين بحياة كريمة فى ظل المساواة و العدالة الاجتماعية, و تلبية الحقوق و المطالب, و في المقدمة ان تحصل الطبقة العاملة البحرانية وسائر الشغيلة في البحرين على حقها فى تأسيس النقابات و الاتحادات العمالية و المهنية, و ان تصبح الانشطة في اطار ممارسة الحق النقابي بشكل علني كحق من حقوق العمال.
نعم كان فى تلك الحقبة من الزمن اكثر رفاقنا و رفيقاتنا فى صفوف الجبهة يمتلكون العزيمة التي لا تستطيع ان تفنيها عوامل الزمن و قسوة الحياة, بل كان الرفاق ينظرون للمستقبل بتفائل شديد و بعزم حديدي لا يلين وكانت الشعارات و الاهداف هي ان نصل لمستوى ان نرى فيها بأن التغيير لابد و ان يحصل من خلال النضال الثوري, ثم كنا ندرك ان التغيير لا يأتي بالصدفة بل يحتاج لعمل دؤوب, وكان الهدف الرئيسي ان يتحقق شعارنا فى وطن حر وشعب سعيد.
من المعروف انه اصبحت جبهة التحرير الوطني البحرانية منذ تأسيسها في الخامس عشر من فبراير عام 1955 هي البديل لقيادة النضال الوطني فى البحرين, ذلك بعد ان تعرضت هيئة الاتحاد الوطني فى عام 1956 الى الانتكاسة لظروف موضوعية و ذاتية خصوصاً في عدم و جود الفكر الرابط بين القيادة و جماهير هيئة الاتحاد الوطني, و في خضم النضال العسير في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية وهي الفصيل الثوري الماركسي العظيم الذي سطر فيه رفاقنا اجل البطولات فى كل مناحي العمل والانشطة الوطنية, السياسية, الفكرية, الاجتماعية, و العمالية على مستوى الداخل و الخارج, ذلك في سبيل تحقيق الانتصارات في صفوف الجماهير و مع الجماهير, و العمل مع القوى الوطنية الاخرى التي كانت فى الساحة مثل الجبهة الشعبية, و القوى القومية الناصريين و البعثيين.
حقيقةً كان النضال الوطني فى اوج التحدي مع الاستعمار و السلطة و القوى الرجعية, ذلك من اجل تحقيق الاهداف, و فى ظل تلك الانشطة السياسية و العمالية, قد عان رفاقنا و في المقدمة الكوادر الميدانية الكثير من الظلم و التشرد و عذاب السجون و المنافي و قدموا التضحيات الجسام, لكنهم في نفس الوقت كانت تحفزهم هذه المعاناة للاستبسال فى طريق النضال, و قد سطر الرفاق ملاحم بطولية و في المقدمة الرفيق الراحل المناضل و الموسيقار مجيد مرهون, الذي عانق السجون و كتب اجمل المقطوعات الموسيقية ثم بقى فى السجون خمسة وعشرون عاماً, و الرفيق الشهيد المناضل الشاعر سعيد العويناتي, و الرفيق الشهيد المناضل الدكتور هاشم العلوي, و هناك كوكبة من المؤسسون و القيادات و الكوادر الحزبية الذين كانت لهم ادوار مؤثرة في الساحة الوطنية على مستوى الداخل و الخارج دفاعا عن قضايا الوطن, و ضرورة نيل الاستقلال الوطني, و من اجل تلبية مطالب الشعب بشكل عام و القضايا العمالية و النقابية بشكل خاص, بحيث كانت الميزة في تلك المرحلة من نضال رفاقنا في وسط جبهة التحرير الوطني البحرانية هى مسألة التسابق بين الرفاق و الرفيقات لتنفيذ المهام الحزبية المنوطة بهم بدقة و اتقان وعناية و شجاعة فائقة النظير, على المستويين الفردي او الجماعي, و في مثل هذه النضالات لرفاقنا التي قد حفزت مشاعر الجماهير الشعبية بحيث مكنت الجماهير بأن تؤمن و تلتف حول الجبهة, و منهم الذين اختاروا ان يكونوا اعضاء فى صفوف الجبهة و اخرون انصار و اصدقاء, و من ثم استطاعت الجبهة من خلال الانشطة الجماهيرية ان تؤثر بأفكارها الوطنية و الاجتماعية و مبادئها الماركسية كي تتقبلها الجماهير, بحيث ان الجبهة كسبت رضا كل فئات المجتمع و قومياتهم من عمال و مثقفون وطلبة ونساء و شباب, و ايضاً العديد من البرجوازية الوطنية الصغيرة التي حاربت الاستعمار البريطاني, و قد استقطبت الجبهة العديد من الذين كانوا في صفوف القوميين العرب خصوصاً بعد رحيل الرمز القومي جمال عبد الناصر مع بداية السبعينات من القرن الماضي.
مسألة النضال فى وسط الطبقة العاملة البحرانية في تلك المرحلة
كان كوادر الجبهة آنذاك العمالية و النقابية قد عززوا نضالاتهم فى صفوف العمال من خلال وجودهم فى صفوف جماهير الطبقة العاملة, ذلك من خلال المعايشة عن قرب و من خلال التقارب و توطيد العلاقات الوثيقة, و التي من خلالها استطاع رفاقنا غرز الوعي الاجتماعي, و السياسي, و الطبقي, و المهني, و الفكري فى صفوف العمال, وقد تمكن الرفاق من متابعة و قيادة الانشطة العمالية من خلال المتابعة لكل المسيرات و الاحتجاجات و الاضرابات و مسألة التفاوض بين العمال و ارباب العمل او الجهات الحكومية, و كانت هناك مطالب عديدة و منها مسألة رفع الاجور المتدنية و تحسين ظروف العمل و السلامة المهنية, و مسألة الضمان الاجتماعي و المطالب بضرورة السماح بتشكيل النقابات العمالية و المهنية.
كل ذلك من خلال عملية الاعداد و الصقل و التثقيف و التعليم للكوادر خصوصاً فى مسألة الربط بين الانشطة التنظيمية و العمالية و الجماهيرية من خلال دراسة المفاهيم العمالية و النقابية في صفوف النشطاء من الكوادر النقابية, بحيث كان الاعداد يحصل في الداخل و الخارج لصقل الكوادر, ذلك من اجل ان يتمكنوا من تشخيص الامور و مسايرة الاوضاع و تخطي الصعاب و تفادي المخاطر.
لقد قادت الجبهة النضال في صفوف العمال وبرزت جلياً في سنوات 1965 و 1968 مروراً بمحطة 1970 و 71 و 72 و 73 و عام 1974, و التي تشكل فيها المفهوم الحقيقي للعمل العلني لأربع النقابات التاريخية في حياة الحركة العمالية البحرانية, مع تأسيس نقابة البا, و نقابة العاملين فى الصحة, و نقابة الكهرباء, و نقابة الانشاء و التعمير. وها نحن نحتفل الان بمرور أربعين عاماً على هذا الانجاز التاريخي للحركة العمالية البحرانية بقيادة رفاقنا فى جبهة التحرير و العديد من النشطاء فى وسط القوى الوطنية فى تلك الحقبة من الزمن.
و بما ان المنبر التقدمي هو الامتداد التاريخي لجبهة التحرير الوطني البحرانية, فنحن سائرون في مهمة النضال الوطني و مدافعين بقوة عن قضايا جماهير شعبنا فى نيل الحرية و مؤازرة القوى الوطنية و الشعبية من اجل تغيير الاوضاع السياسية الانية شديدة التعقيد حتى تحقيق العدالة الاجتماعية, و تحقيق الديمقراطية التي من خلالها نشعر بالامان نشعر باالمساواة, نشعر بالمواطنة بعيداً عن مشاعر التمييز و الفتن الطائفية المبنية على الفصل الطائفي, و بدلاً من الاعتماد على الامم المجنسة التي يراد بها ارغام المعارضة وجماهير الشعب البحراني القبول بالواقع المؤلم, و في الجانب العمالي لدينا المحاولة بأن نكون شركاء في تطوير الحركة العمالية و النقابية وان نكون عونا للطبقة العاملة البحرانية وسائر الكادحين في البحرين, ذلك بالرغم مما هو حاصل من خلافات في وسط الحركة النقابية, و ايضاً هذا هو انعكاس لما نحن فيه من اوضاع سياسية و ايضا نتيجة لظروفنا الاقتصادية و الاجتماعية المؤثرة فى الحراك العمالي و النقابي.
عاشت الذكرى الستين العطرة لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية, و الى الامام في سير النضال الذي لا يتوقف و يداً بيد مع جماهير شعبنا و قواها الوطنية من اجل الحرية و نيل الحقوق, و بناء الوطن الديمقراطي الحر, و ان نرى شعبنا فيه سعيد.
جواد المرخي
المنبر التقدمي / البحرين