“داعش” تقيم محرقة للكتب في الموصل، مشهد تكرر مراراً عبر التاريخ . قبلهم بقرون، وليس بعيداً عن الموصل، في عاصمة الدولة الإسلامية بغداد حرق جنود هولاكو خزائن الكتب النفيسة التي تعج بها مكتبات بغداد أو ألقوها في النهر .
مثلهم فعل الفرنجة في غرناطة حين سقطت بأيديهم . لعلنا نتذكر كيف وصف الباكستاني طارق علي في روايته: “تحت ظلال الرمان” ذلك المشهد المرعب، حين جمع الجنود الكتب من مكتبات غرناطة وبيوتها، وأقاموا لها محرقة في الساحة العامة وسط ذهول الحاضرين
.
قيل إنها محاولة لمحو ذاكرة المهزوم، حيث أتت النار على نحو مليوني مخطوط أخذت من مكتبات 12 قصراً و195 مكتبة عامة في غرناطة، ولكن بضع مئات من الكتب نجت من المحرقة بحيلة من جنود، شعروا بفداحة المهمة التي أوكلت إليهم بحرق الكتب، فقاموا بإلقاء المخطوطات الأثقل وزناً، ظناً منهم أن ما بين دفتيها من معارف أكثر ثراء، على عتبات أبواب بيوت العرب المغلقة ليلتقطها الأهالي، ويهربوها فيما بعد إلى فاس بالمغرب
.
مثل إفرنجة الأندلس فعل نازيو ألمانيا بتوجيهات هتلر، فأحرقوا كنوز الثقافة الألمانية في الساحات، ومثلهم فعل أيضاً رجال بيونشيت في شوارع سنتياغو عاصمة تشيلي، حين أطاحوا بالحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة سلفادور الليندي
.
السيناريو نفسه تم في الموصل: اقتحم إرهابيو تنظيم “داعش” مكتبات جامعة المدينة، وعدداً من المكتبات الخاصة، ومكتبات المساجد والكنائس، وجمعوا مئات المخطوطات والكتب التي لا تقدر بثمن وحرقوها
.
جرى استهداف محفوظات إحدى المكتبات الإسلامية ومكتبة الكنيسة اللاتينية البالغ عمرها 265 سنة، وفي دير الآباء الدومينيكان، ومكتبة متحف الموصل التي تضم مقتنيات يعود تاريخها إلى 5000 سنة قبل الميلاد
.
لدى الظلامية بكافة أوجهها، وبينها الوجه الداعشي، رعب من المعرفة، لأنها صنو الحضارة، فيما الظلامية صنو الهمجية، لذلك تصبح الكتب، من حيث هي أوعية للمعرفة، وحافظة للذاكرة الإنسانية هدفاً لها
.
يروي فيلم فرانسو تروفو “فرنهايت451” قصة مدينة محكومة بإرهاب النار، مهمة الإطفائيين فيها أن يضرموا النار لا أن يطفئوها، وشغلهم الشاغل هو حرق الكتب والمكتبات
.
لكن المثقفين، حرصاً منهم على الثقافة، يفرون إلى الغابة وقد حفظ كل واحد منهم مضمون كتاب عن ظهر قلب، وفي الغابة لا يفعلون شيئاً سوى تلاوة ما حفظوه، حتى لا ينسوه، ليلقنوه لأبنائهم من بعدهم
.
من سوء حظنا أننا في زمن إضرام النيران
.