لابد من الاشارة الى ان الاحساس الذي ينتاب الناس اذا عايشوا او عاشوا وضعاً مؤلماً، وضعاً انسانياً لا يُحتَمل حتماً سوف يدفع بهم بأن يشكو ذلك لمن يرون فيه قادراً على ان يرفع عنهم الضيم ويبعد عنهم الظلم و الجور و العدوان، او انهم سوف يخوضون المعترك السياسي لتحرير انفسهم من اجل نيل حقوقهم المهدورة بحيث ان كل انسان سوف يختار طريق النضال وبالطريقة التي يؤمن بها ولو فيها من الاخطاء، لكن الماركسيين يعرفون جيداً ان كل الاسباب و الدوافع التي تجعل الناس يعيشون في حالات من الظلم و اسباب الظلم هو لان الماركسي يمتلك الحقيقة و يعرف بتحليل علمي مكمن الظلم و الاستغلال، و لدينا التحليل العلمي لمجريات التاريخ و السياسة والاقتصاد ثم نمتلك الثقافة و الفلسفة و الوعي و الادراك فكيف لنا ان نقول ليس هناك من ظلم فى وسط الاضطهاد؟ لكن يحصل ذلك عند البعض فى حال تغيرت القناعات عندهم و تغير الحس الوطني لأسباب مختلفة قد نتطرق لها في عناوين أخرى.
هنا يجب ان ابدأ بلمحة في هذا السياق حول مفهوم ضرورة التطبيق للماركسية على الواقع، و قد تعلمنا ما هي مهام الماركسي و ضرورة النضال من رواد النظرية الماركسية، وهم كارل ماركس، فريدريك انجلز و لينين وغيرهم من العظماء فى العالم، و كيف اصبحت لمؤسسي الماركسية انشطة ثورية في المانيا و انجلترا و سويسرا و العديد من المدن الاوروبية ذلك في ملحمة تاريخية مع من سبقوهم فى طريق النضال من الشعوب الاوروبية التي ناضلت حتى وصلت لمرحلة الانهيار للنظام الاقطاعي، و صولاً لمرحلة الرأسمالية و نمو وتصاعد الاقتصاد الرأسمالي، و بداية النشوء للطبقة العاملة في البلدان الاوروبية، ثم عاصروا اول الازمات الاقتصادية للنظام الراسمالي و التحرك العمالي النشط، وفي تلك المرحلة سطر العالمان العظيمان في القرن الثامن عشر و هم كارل ماركس و فريدرك انجلز ملاحم بطولية اتسمت بالثورية فائقة النظير، وكانت لهم انشطة سياسية وعمالية بارزة في المانيا و انجلترا و السويد و العديد من المدن الاوروبية و التي نشط فيها و عمل ماركس وانجلز في محطات مختلفة ان كان على مستوى افرادا او جمعاً، وكانت اهد افهم واحدة حتى قبل ان يلتقيا معاً ذلك من خلال طروحاتهم عبر الصحافة و انشطتهم في وسط الجماهير، ومن خلال تحركاتهم الثورية و تقارب الافكار بينهم في تلك الحقبة من الزمن. لقد انشأوا الصحف ونا ضلوا من اجل أن تصل افكارهم لعموم الشعب الالماني و الشعوب الاوروبية و الجماهير الثورية فى اوروبا، وفي المقدمة عملوا لتوحيد صفوف من كانوا يحملون نفس الهموم و التطلعات الاشتراكية و الديمقراطية والوطنية، و من خلال هذه الصحف حاربوا التوجهات الانهزامية و الانتهازية وقادتهم هذه الانشطة في 7 من نوفمبر 1849 للمحاكم و دافعوا عن مواقفهم ومن ثم اعدوا البرامج الاولى لانشاء الاحزاب العمالية بدلاً من الجمعيات، و صولاً لأصدار البيان الشيوعي.
ولمن يريد ان يطلع على الكثير عن هذه الملاحم عليه ان يقراء فى كتب تاريخ الحركة الشيوعية و العمالية, و منها كتاب انجلز حيا ته و اعماله.
في الواقع ان الذي دفع بي ان اكتب في مثل هذه الامور هو ما نعيشه الان من ظهور بعض من الذين يحاولون ان يجعلوا من النظرية الماركسية على انها نظرية تنويرية اجتماعية، و من الممكن ان يفسرها البعض على انها لا تتضارب مع ان تكون ماركسياً دون ان تناضل من اجل التغيير الحقيقي و ان توسع النضال ضد النظام الراسمالي لبلوغ الاشتراكية في وسط المجتمعات و الدول على مستوى العالم، ذلك من اجل نيل الحرية فى الدول التي فيها اضطهاد و ظلم واستغلال.
هنا لا اعرف ماهي سياسة من يشورون عليك ان تهادن الانظمة الدكتاتورية و تكون مؤيد لانظمة فاسدة وهم يدعون انهم في الجانب اليساري لكن في نفس الوقت هؤلاء قد تأثروا بظواهر جديدة في وسط المجتمعات العربية، وتأقلموا معها بل انهم قبلوا بالتهاون حتى ان وصل الامر بالبعض للتخلي عن المطالب الشعبية في الحرية والديمقراطية و حقوق الانسان و بسط العدالة. و من ثم تبني البعض العقلية و الافكار الليبرالية او الانحياز الطائفي وتخلوا عن قضايا الجماهير و في المقدمة قضية الطبقة العاملة و التخلي عن فكرة الصراع الطبقي و حتمية الاشتراكية التي هي البديل عن النظام الرأسمالي العالمي الذي هو سبب رئيسي لما تعانيه شعوب العالم من ازمات و فقر وبطالة وحروب و تدمير للبيئة بشكل عام، و البعض اصبحوا من انصار الانظمة الدكتا تورية.
حقيقةً لابد و ان نفرق بين اليساريين المناضلين الذين هم في مقدمة الصفوف، في مقدمة الجماهير على مستوى العالم، الذين يطرحون مطالب جماهير الطبقة العاملة مع مطالب الشعوب من اجل الحرية و الديمقراطية الحقيقية، و الانعتاق من صنوف الاستغلال البشع والسلام في العالم هم من تراهم نشطاء في احزابهم و قواعدهم الجماهيرية و العمالية و التقابية، و بين الاخرين ممن يدعون باليسار لكنهم في حقيقة الامر من الذين قد اختاروا الانزواء بذرائع ليس لها اساس من الصحة، بل قد وضعوا لانفسهم مبررات وهمية لا يقتنع بها المناضل الماركسي ثم نصبوا انفسهم نخب وقد اصبحت بعض طروحاتهم مبررات فقط من اجل ان يكونوا بعيدين عن قضايا وهموم الجماهير، و في المقدمة جماهير العمال و سائر الشغيلة، ولا يحركوا ساكن في مسألة حقوق الانسان او ما يعانيه الشعب من ويلات و مآسي و اضطهاد و استغلال اين كان مصدره.
هنا و بهذا الاسلوب في الطرح لا اريد ان اضع نفسي في زاوية الناقد لأني غير محترف في هذا المجال، انما ينتابني شيء من الهموم فى هذه المسألة، ثم اريد ان اطرح هذه القضية للمشاركة و النقاش مع الاحترام للاختلاف فى الرأي، ثم اعتقد ان هذه قضية جديرة بالاهتمام من قبل اليسار في الوطن العربي ليكون مثل هذا الموضوع قضية تستحق الاهتمام بكونها وجهة نظر متواضعة ومطروحة في سياق تفعيل حرية الرأي و التعبيرفي صفوف اليسار العربي، كي يخرج البعض من نطاق الصمت الذي يؤدي بنا فى بعض المواقع للجمود العقائدي و السياسي الذي قد ادى بنا ايضاً الى الانحسار الحاصل في الادوار و الانشطة الجماهيرية، ذلك لظروف عربية سياسية و اجتماعية و دولية، و ايضا هناك سبب اخر وخطير و هو الجمود الفكري المستشري في اوساط البعض و الذي يلجم الانشطة و يزيد من حجم التناقضات ويسمح بتغلغل الانتهازية التي تعمل على تحريف الخط النضالي و الوطني للماركسيين، و عليه وجب ان نحرك المياه الراكدة من خلال تنشيط العقول لمن هم اختاروا ان يعيشوا خلف الحيطان بدلاً من ان يتواجدوا في ساحات النضال اليومي مع الجماهير الكادحة.
في الواقع استطيع ان اقول ان المناضل اليساري الفاعل أفضل من الف يساري متقاعس و بعيد عن شؤون الحياة السياسية، ويستخدم بعض من المصطلحات فقط لوضع المبررات امام ما تطرح عليه نفسه من الاسئلة التي احياناً يكون امامها محرجاً نتيجة للمواقف السلبية خصوصاً لمن يتباهون بألفاظ منمقة ولمن يدعون النخبة و طرح قضايا و اتخاذ مواقف خالية المعاني و الاهداف وبعيدة كل البعد عن هموم وقضايا الجماهير و في المقدمة جماهير الطبقة العاملة وسائر الشغيلة. حقيقةً انا هنا اكرر ذكر الطبقة العاملة لان هناك من وقفوا ضد المصالح العمالية و ضد العمال في محنتهم في مواقع عديدة.
ايضاً لا يجب علينا ان ننكر مسألة التنظير فإن التنظير امر مهم للغاية في وسط التنظيم السياسي فى جميع الاحزاب الماركسية، لقد سخر التنظير في النشاط الحزبي و الثقافي للاستفادة من الافكار في وسط المجتمعات العربية من اجل بث الوعي في وسط الجماهير في وسط الشارع خصوصا الجماهيرالتي تناضل و تطالب بالتغيير، و ايضاً وجب التنظير في وسط الحزب و قواعد الحزب ذلك من اجل المزيد من الوعي و المعرفة و الالتزام الحزبي خصوصاً في تربية الجيل الجديد من الشباب اليساري العربي المقبلين على تعلم الافكار و المبادئ و الاسس الماركسية اللينينية كي لا يتأثرون بموجات الظواهر التي تجتاح العالم العربي، و منها الامراض العنصرية والافكار الطائفية البغيضة، و ايضاً عقلية التطرف و الانحراف و من اجل انتشال الناس من براثن التخلف الفكري والاجتماعي.
اما أن يأتي احدا من الصامتين الذين يختبئون خلف الحيطان في اوقات الشدائد و في الاوقات التي يحتاجهم حزبهم و شعبهم ووطنهم لينفوا كل شيء و يعارضوا كل شيء و يتهموا كل الشعوب العربية التي تناضل ضد هيمنة النظم العربية الدكتاتورية، و يصفونها بالفوضوية بدون تفصيل لما يجري من اسباب لاساليب النظم الدكتاتورية، وبدن القراءة الصحيحة في مواقف محيرة فيها عدم توجيه النقد لانظمتنا العربية الفا سدة المستبدة والتي هي السبب في كل المشاكل التي تجتاح العالم العربي، هنا اعتقد ان على هؤلاء ان ينظروا مع انفسهم في افضل الاحوال، لان مثل هؤلاء و نتيجة لابتعادهم عن الانشطة السياسية والوطنية و الاخرى الضرورية فى وسط المجتمعات العربية و في وسط احزابهم، هؤلاء يصبحون مثل الاواني الفارغة والتي يجب ان تملاء من جديد، لان الابتعاد لليساريين عن هموم الشعوب العربية في أي قطر عربي حتماً سوف تفقدهم المصداقية مع جماهيرهم و عليه سوف تتقلص شعبيتهم تد ريجيا و سوف لن يشفع لهم تاريخهم يوماً ما خصوصا مع الذين تلوثت افكارهم بسموم الانهزامية.
و هنا ثمة امر يجب ان اوضح فيه بأن الماركسية تعلو ويؤمن بها الناس عندما يرونها في الشخوص اليسارية المناضلة فى الذين هم صادقون مع افكارهم، وينشرونها من خلال انشطتهم اليومية في الوسط الاجتماعي في وسط المجتمع المدني خصوصا بين العمال و سائر الكادحين و الفقراء و المحرومين و جماهير الشباب والنساء والمثقفين.
اما من يرون انفسهم قد اصبحوا شخصيات لا يمكن ان تنزل للجماهير ايضاً ان الجماهير سوف لن ترتفع لهم حينما يصبح مستوى الارتفاع عالي بين من ينظـّرون و بين الناس، و عليه ان الجماهير سوف تفتش عن من يشاركها الهم ومن يدافع عنها و من يحتضن قضيتها، و من يأخذ بيدها من اجل التغيير و نيل الحقوق المشروعة في الحرية والمساواة و المواطنة الحقيقية و العيش الكريم بدون تمييز و من اجل بناء اوطان عربية خالية من الانظمة الرجعية و الدكتاتورية .
حينها نحن اليسار سوف نرضي بالقليل ونلوم القوى الاخرى كيف استحوذت على الشارع، و هذا قد اصبح واضحاً في الثورات العربية التي سميت بثورات الربيع العربي و التي كان وقودها العمال وفقراء الفلاحين و العاطلين عن العمل و المهمشين فى المدن العربية، و الشباب و الطبقة الوسطى فى تونس ومصر، لكن في نهاية المطاف السيطرة قد اصبحت للقوى المضادة و القوى الرجعية لان اليسار العربي بعد الانهيار للاتحاد السوفياتي عام 1991 اصبح فى اغلب الدول العربية منقسم وغيرمُنَظّم و غير فاعل، و البعض قد اعلن الاستسلام و كأن الافكار الماركسية قد انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، وكأنهم لا يعلمون ان الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 كانت بقيادة القائد و الملهم الماركسي الرفيق لينين.
هنا شعاع من ما كتبه لينين في مسألة الاستراتيجية، و اريد ان ادون هذه الفقرة لأهميتها وأرى انها مرتبطة بموضوعنا الحالي:
لقد ادرك لينين بصفته مناضل ماركسي اكثر من أي شخص اخر حين قال ان افضل الاكتشافات العلمية و اكثرها دلالة و قيمة للبشرية تظل اكتشا فات اكاديمية فحسب. ما لم تطبق على ارض الواقع و منها التي تحفز الجماهير على الانخراط في طريق النضال و ها هي النظرية الماركسية التي اكتشفت الواقع الحقيقي للنظام الرأسمالى القائم على الاستغلال، ثم عمل منظروها كارل ماركس و فريدريك انجلزعلى اهمية تغيير الواقع المؤلم للنظام الرأسمالي الذي رسخ استغلال الانسان لأخيه الانسان حين اصبحت النظرية الماركسية السلاح الامضى بيد الطبقة العاملة وسائر الكادحين، للتخلص من عبودية الطبقة الرأسمالية و الانظمة الاستبدادية و بناء الاشتراكية.
جواد المرخي / مسؤل التثقيف فى لجنة قطاع النقابات
المنبر الديمقراطي التقدمي/ البحرين