تقرير صحفي وضعته ندى الأزهري عن فيلم سوري عنوانه: “بلدنا الرهيب” أوحى لي بالحديث عما أريد وصفه ب “محنة” القوى المدنية العربية في ظل الانقسام المريع في عدد من بلداننا العربية بين “معارضات” يقودها إسلاميون متطرفون وأنظمة استبدادية فقدت مشروعيتها التاريخية لإخفاقها في بناء دول حديثة ديمقراطية ومتقدمة .
في التقرير المشار إليه حديث عن أن الفيلم موضوع الحديث لا يحصر موضوعه في “سياسة منحصرة اليوم بموالاة و معارضة، إنه اقتراب حميمي من “إنسان”، من مبادئه، ورسالته في الحياة . . مناضل قضى سنوات من عمره في سجون النظام وها هو اليوم ملاحق منه من جديد، ولكن أين المفر؟ فبين النظام والمتطرفين وأولئك الأشد تطرفاً، أين يقف المثقفون وقبلهم الناس العاديون” .
يحكي الفيلم حكاية الكاتب السوري ياسين الحاج صالح الذي كان قرر البقاء في سوريا، “ليكون في قلب الحدث و(ليرى سوريا وهي تتغير بعدما قضى نصف قرن من عمره فيها وهي لا تتغير)، كما يقول . تتابعه عدسة زياد حمصي في رحلته بين المدن والبلدات السورية، من الغوطة الشرقية إلى دوما فالرقّة، حيث أنقاض مريعة وحيث لا شيء “يمت إلى البشر بصلة”، وحتى حين لم يعد لرحلته تلك من معنى، لم يعد بوسعه سوى المضي فيها . . لقد انتهى به الأمر وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من البقاء وزوجته سميرة في البلد ليعايشا ما يعايشه الآخرون، للخروج من بلده “الرهيب” .
هي ليست محنة ياسين الحاج صالح وحده، وليست محنة المثقفين التقدميين السوريين وحدهم، وإنما هي محنة القوى المدنية العربية كلها على امتداد ساحة الوطن العربي، حين تجد هذه القوى نفسها اليوم أمام استقطاب جديد غير الذي اعتادته في عقود سابقة، يوم كانت تتصدر النضال في مواجهة الاستبداد ومن أجل بناء مجتمعات ديمقراطية خالية من الفساد، فإذا بها تجد نفسها قليلة الحيلة أمام استبداد يمسك بمفاصل السلطة ويذود عن بقائه فيها بكل ما له من مخالب، وأمام معارضات لن تكون أقل استبداداً منه فيما لو قيض لها النصر .
بل إن التجربة الحية خلال السنوات الماضية أظهرت، بالملموس، أن الأمر، عند هذه المعارضات، لا يقف عند حدود قمع الخصوم وحدهم وإنما مصادرة منجزات المجتمعات العربية من الانفتاح والتطور الاجتماعيين، وهما حصيلة تطور تاريخي مديد أنفقت أجيال من التنويريين العرب أعمارها في سبيل بلوغه .