المنشور

القانون في عدالة مخرجاته وإلا فهو ” قراقوشي “


تناولنا في مقالنا السابق، تقييم المقاطعة والمشاركة في الانتخابات النيابية للفصل التشريعي الرابع، التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وخلصنا إلى النتيجة، من بعد دراسة الأرقام والإحصائيات الرسمية، التي للأسف لم تكن شفافة وتم إخفاء تفاصيل أساسية، تناولتها في البداية بعض الصحف، وذلك قبل الإعلان الرسمي، عن نتيجة التصويت في الجولة الأولى، فيما يتعلق منها بعدد المصوتين بحسب المراكز الانتخابية، ولا نلومَنَّ الصحف التي سرعان ما تراجعت، لتتبنى الجدول الرسمي للإحصائيات الانتخابية، التي أخفت تفاصيل عدد الأصوات في المراكز الأساسية وفي المراكز العامة والمراكز في الخارج واكتفت بعرض مجموعها الكلي لكل مترشح في الجولتين، وألزمت الصحف باتباع الجدول ذاته، وخلصنا إلى أن نسبة المقاطعة كانت 57 في المئة، ونسبة المشاركة كانت 43 في المئة، بحسب متوسط النسبتين للجولة الأولى والثانية، وذلك على مستوى مملكة البحرين.

وموضوعة المراكز الانتخابية، صحيحها أن تكون أساساً في محيط الدائرة الانتخابية، حيث إقامة ناخبيها، ولصغر مساحتها، ثم تليها المراكز في السفارات البحرينية بالخارج، حيث المسافرون من المواطنين، أما الدوائر العامة، فليس لها حاجة ولا مسوغ، لا قانوني ولا إداري، فلا يحتاج المتنقل في البحرين من أدناها إلى أقصاها، لأكثر من جزء من الساعة، وربما لو كانت البحرين دائرة انتخابية واحدة، لربما كان لها هذا المسوغ القانوني والإداري الوحيد.

أما جعلها موضع شَكٌّ وريبة، ليتناول موضوعها، العامة والخاصة من الناس، على خلفية الإعلام الرسمي عنها، بأنها تسهيل للناخبين القاطنين في المناطق البعيدة، أو تطمين لأولئك الخائفين، من مسّهم بالأذى من قبل المقاطعين، فهو قول مرسل، لا فحوى له ولا موضوع، فلا هناك بعدٌ للمسافات داخل الدائرة، ولا صعبٌ على أي امرئ أن يراقب أينما كان، بل إن تجارب الانتخابات جميعها، أبانت أنها محطات تستخدمها السلطات الرسمية، لتؤثر في نتيجة الانتخابات، من خلال التوجيه لبعض الجماعات، سواء العاملين في الأجهزة الرسمية، أو الحاصلين على الجنسية البحرينية من أؤلئك المقيمين في دول الجوار.

أما إذا دخلنا في تفاصيل أعداد ونسب المصوتين لكل مترشح فاز في المجلس، وحاز اللقب الرسمي «معالي الرئيس» و «سعادة النائب»، وحاز ما هوى من السيارات الفارهة، ولبس (البشت) أو طواه تحت أبطه أو أدخله خزانة ملابسه، وبات ليلته يحسب ثروته القادمة من وراء راتبه وتقاعده، فسنجد أن كلهم، على رغم أنهم حازوا على أغلبية المصوتين، أي ما يفوق نسبة 50 في المئة من المصوتين كلٌ في دائرته، إلا أنه لم يحز أي منهم على غالبية ناخبي الدائرة، عدا واحد هو نائب الدائرة الثالثة في المحافظة الجنوبية، الذي حاز نسبة 51.42 في المئة من كتلة الدائرة، وهذا يعني أنه لو حدد القانون فوز النائب شرط حصوله على أغلبية أصوات ناخبي دائرته، لما فاز في الانتخابات الأخيرة إلا نائب هذه الدائرة من المحافظة.

وحيث إن الدوائر الانتخابية غير عادلة في تعداد الناخبين، ولا حتى في حدود المحافظة الواحدة، ففي حين أن أكثر الدوائر في محافظة العاصمة هي الدائرة السادسة وتبلغ 10946 ناخباً، تجد أقلها هي الدائرة الأولى وتبلغ 6317 ناخباً، بفارق 4629، وفي محافظة المحرق، أكثرها هي الدائرة السابعة وتبلغ 13204 ناخباً، وأقلها هي الدائرة الخامسة وتبلغ 7199 ناخباً، بفارق 6005، وفي المحافظة الشمالية أكثرها هي الدائرة الحادية عشر وتبلغ 12341 ناخباً، وأقلها هي الدائرة الثالثة وتبلغ 6082 ناخباً، بفارق 6259، وفي المحافظة الجنوبية، أكثرها هي الدائرة الخامسة وتبلغ 8788 ناخباً، وأقلها هي الدائرة العاشرة وتبلغ 2368 ناخباً، بفارق 6420، وهذه الدائرة تحظى برعاية خاصة من قبل الحكومة، فهي أقل الدوائر تعداداً، وأقلها كتلة انتخابية، وأقلها تصويتاً، ففي داخل حدودها لم يصوت سوى 29 ناخباً، وباقي المصوتين المحسوبين عليها، صوتوا من خارجها، في المراكز العامة وعددهم 1010، على رغم أنها الأكثر أمناً، والأقل عدداً، وهي التي يعادل عدد ناخبيها 27 في المئة من أكبر دائرة في المحافظة وهي الخامسة، ويعادل عدد ناخبيها 18 في المئة، من ناخبي أكبر دائرة في البحرين، وهي الدائرة السابعة بمحافظة المحرق، وتعداد ناخبيها كما ورد عاليه 13204 ناخباً، وقد حظي نائبها بلقب معالي رئيس المجلس.

وحيث إن الدوائر الانتخابية غير عادلة، فتكون نسب عدد الأصوات التي نالها النواب، قياساً لناخبي المحافظة وناخبي البحرين، أكثر وضوحاً لقياس عدالة التمثيل النيابي، وبالتالي الحكم على عدالة القوانين، التي تحكم نتائج الانتخابات، فالعدالة والمساواة، ليست في الحزم بتطبيق القانون كيفما كان فحسب، بل هي قبل ذلك في عدالة مخرجات القانون، المتوجب فيها تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، ولنا في «قوانين قراقوش» أمثلة السوء.

فعلى مستوى محافظة العاصمة، أكثر النواب تمثيلاً، حقق 2.51 في المئة بعدد 2265 صوتاً، من ناخبي المحافظة، وهو نائب الدائرة الأولى، وأقلهم حقق 0.44 في المئة بعدد 394 صوتاً، وهو نائب الدائرة الثالثة، ومَنْ تبقَّى منهم بين بين.

على مستوى محافظة المحرق، أكثر النواب تمثيلاً، حقق 6.12 في المئة بعدد 4197 صوتاً، من ناخبي المحافظة، وهو نائب الدائرة الثامنة، وأقلّهم حقق 0.54 في المئة بعدد 308 أصوات، وهو نائب الدائرة السادسة، ومَنْ تبقَّى بين بين.

على مستوى المحافظة الشمالية، أكثر النواب تمثيلاً، حقق 3.81 في المئة بعدد 4551 صوتاً من ناخبي المحافظة، وهو نائب الدائرة العاشرة، وأقلهم حقق 0.21 في المئة بعدد 247 صوتاً، وهو نائب الدائرة الثانية، ومَنْ تبقَّى بين بين.

وعلى مستوى المحافظة الجنوبية، أكثر النواب تمثيلاً، حقق 5.21 في المئة بعدد أصوات 3716 صوتاً من ناخبي المحافظة، وهو نائب الدائرة الثالثة، وأقلهم حقق 1.17 في المئة بعدد أصوات 834 صوتاً وهو نائب الدائرة العاشرة، ومَنْ تبقَّى بين بين.

أما على مستوى البحرين، فقد كان نصيب نواب محافظة العاصمة، ما بين 0.65 في المئة بعدد أصوات 2265، و0.11 في المئة بعدد أصوات 394، ونصيب محافظة المحرق، ما بين 1.20 في المئة بعدد أصوات 4197، و0.11 في المئة بعدد أصوات 308، (ليصبح النائب الوحيد صاحب السبق في حصوله على أصوات في الجولة الثانية، أقل مما حاز في الجولة الأولى)، ونصيب المحافظة الشمالية، ما بين 0.89 في المئة بعدد أصوات 3101، و0.07 في المئة بعدد أصوات 247، ونصيب المحافظة الجنوبية، ما بين 1.06 في المئة بعدد أصوات 3716، و0.24 في المئة بعدد أصوات 834 (ليصبح الأخير صاحب المعالي الرئيس).

أليس في القوانين التي تحكم الانتخابات النيابية، ما يستوجب تعديلها عبر حوار وطني لتحقيق العدالة والمساوة بين المواطنين؟


 


صحيفة الوسط البحرينية –  الأحد 04 يناير 2015م