مع الانهيار الحاصل منذ يوليو/تموز الماضي لأسعار النفط العالمية من نحو 120 دولاراً للبرميل من خام القياس “برنت” إلى أقل من 70 دولاراً، فإن تكلفة استخراجه بقيت على حالها . ولذلك فإن النجاح الباهر الذي حققته صناعة استخراج النفط الصخري (Shale Oil) في الولايات المتحدة برفع إجمالي طاقة البلاد من إنتاج النفط منذ عام 2008 بواقع 4 ملايين برميل يومياً، والذي سمح لها بخفض وارداتها البترولية من بلدان “أوبك” بمعدل النصف، هذا النجاح الأمريكي صار عرضةً للتراجع .
فلقد وضع هذا الانهيار المفاجئ لأسعار النفط، شركات النفط العالمية لاسيما المستثمرة في التفريعات الرأسية (Upstream) للصناعة النفطية (الاستكشاف والإنتاج تخصيصاً)، في ظروف غاية في الصعوبة، وهي التي بنت استراتيجياتها الاستثمارية التوسعية على أساس الأسعار المرتفعة للنفط التي وصلت إلى 128 دولاراً للبرميل في عام 2012 . حيث حفزت تلك الأسعار، الشركات للاندفاع الاستثماري في مشاريع ضخمة تتراوح ما بين النفط الصخري الأمريكي والحقول العميقة المطورة في المناطق الاستوائية . وبحسب ارنست أند يونغ فإن شركات الطاقة العالمية تستثمر حالياً في 163 مشروعاً ضخماً في أنشطة الاستكشاف تبلغ تكلفة كل واحد منها أكثر من مليار دولار، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 1 .1 تريليون دولار، معظمها خارج تغطية موازناتها، أي ممولة عجزياً، ومتخلفة في جداول أهدافها الإنتاجية . تضاف إلى ذلك التكلفة الباهظة لاستخراج النفط من مكامن هذه الحقول، وارتفاع أسعار المعدات والخدمات البترولية المستخدمة في عمليات استكشافها بواقع 2 – 3 % سنوياً بسبب تجاوز الطلب عليها للمعروض منها في السوق . وهذا يعني أن هذه المشاريع لن تستطيع الاستمرار إلا في حال بيع برميل النفط ب 120 دولاراً . وتقدر مجموعة كارليل انترناشيونال انيرجي بارتنرز بأن كبريات شركات النفط العالمية تحاول حالياً بيع ما قيمته 300 مليار دولار من أصولها لمقابلة متطلبات التدفقات النقدية الداخلية . ومن بين هذه الشركات شركة شل وشركة بي .بي اللتان تحاولان بيع ما قيمته 50 مليار دولار من أصولهما .
فيما بدأ بعض الشركات بالفعل بخفض إنفاقها الاستثماري على تلك المشاريع العملاقة، خصوصاً في منطقة القطب الشمالي ومناطق الاستكشاف في المياه العميقة . فشركة شل أعلنت مؤخراً أنها ستؤخر مشروع استكشافاتها في ألاسكا . كما تم تجميد مشروع روس بنك لاستكشاف نفط بحر الشمال البريطاني البالغة تكلفته عشرة مليارات دولار، وهو مشروع مشترك بين “شيفرون” الأمريكية و”OMV” الأسترالية، ما لم ترجع أسعار النفط إلى مستواها ما قبل الانهيار الحالي . شركة “بريتش بتروليوم” أيضاً قالت إنها تعيد النظر في خططها المتعلقة بالمرحلة الثانية من مشروع “ماد دوغ” للاستكشاف في المياه العميقة لخليج المكسيك . كما أن شركة ستات “أويل” النرويجية وشركاءها في مشروع “جوهان كاستبيرغ” ببحر البارنز أصبح في حكم المعلق إلى أجل غير معلوم تحت ظرف خفض النفقات المتزايدة، والذي يشمل إلغاء شركة ستات أويل لأكثر من 1500 وظيفة بنهاية هذا العام . وفي كازاخستان أصبح مشروع كاشاغان العملاق أثراً بعد عين نتيجة التكاليف الباهظة للمشروع وتأخير جداول التسليم التي عززتها الأسعار المنهارة للنفط . فيما أعلنت شل بأنها ستخفض إنفاقها الرأسمالي بنسبة 20%، و”هيس” بنسبة 15% وشركة “إكسون موبيل” وشركة “شيفرون” بنسبة تتراوح ما بين 5 – 6%، وذلك منذ بدء انهيار الأسعار في يونيو/ حزيران الماضي .
ومع أن شركات استخراج النفط الصخري قد بنت جداوها على أساس سعر يبلغ 57 دولاراً للبرميل في المتوسط، إلا أن جدوى بعض الحقول تصل إلى 110 دولارات للبرميل، ما يضع معجزة النفط الصخري الأمريكية محل تساؤل .
25 ديسمبر 2014