للشهر الرابع على التوالي، تستمر أسعار النفط في الإنخفاض حتى لامست أخيراً حاجز الـ 60 دولاراً للبرميل، ولا يوجد نور في نهاية النفق للوصول إلى قاع الإنخفاض والعودة إلى الارتفاع.
دول الأوبك لم تنجح في إجتماعها الأخير بفيينا في الإتفاق على معالجة أزمة الأسعار التي تنعكس بآثار وخيمة على اقتصاديات معظم أعضائها فيما عدا دول الخليج العربي، وهو ما يثير التساؤل:
لماذا تمتنع دول الأوبك عن إتخاذ قرار بتخفيض الانتاج لحماية الأسعار وحماية مصالحها الاقتصادية؟ فالإمتناع عن تخفيض الانتاج يجلب الضرر عليها جميعاً وإن كان بنسب متفاوتة.
التفسيرات المتداولة في التقارير والتغطيات الاعلامية المختلفة أنه قد يكون الأمر لأغراض سياسية منها الضغط على روسيا وإيران، ومنها ما أسمته مجلة الايكونومست البريطانية الرزينة بأنها «معركة شيوخ النفط» ضد «الشيل أويل» (النفط الصخري) الأميركي.
الأسباب الاقتصادية
أزمة انخفاض الأسعار ليست مخططا مدبرا، أي ليست من هندسة وصناعة دول الأوبك لتحقيق أغراض سياسية ان كان هنالك شيء من ذلك، فهي أي الأزمة نتيجة عوامل اقتصادية متمثلة بزيادة المعروض في أسواق النفط على المطلوب شراؤه، وإنخفاض الطلب جاء نتيجة لأن المستهلكين الكبار مثل اليابان والصين وألمانيا وبقية الدول الأوروبية الصناعية إما أنها تواجه تراجعا أو إنكماشا في الوضع الاقتصادي، أو ركودا أو تباطؤا في النمو، إلى جانب فعالية إجراءات توفير إستخدام الطاقة.
أما التخمة النفطية فجاءت نتيجة زيادة الانتاج من مصادر عدة ومنها بعض دول الأوبك، ولكن الجزء الأكبر والأساسي هو إرتفاع إنتاج النفط الأميركي الذي ارتفع من 5 مليون برميل عام 2008 إلى 7٫5 مليون برميل عام 2013، والتوقعات بأنه سيرتفع الى 9٫5 مليون برميل يومي 2019، مدفوعاً بثورة النفط الصخري الذي إرتفع انتاجه من أقل من نصف مليون برميل يومي عام 2008 إلى 3٫5 مليون برميل عام 2013 ويزداد انتاجه بمعدل اكثر من مليون برميل سنويا.
معركة شيوخ البترول ضد نفط الشيل (النفط الصخري) بأداة تخفيض الأسعار لتقليص حجم إنتاجه أو طرده من السوق قد تكون معركة طويلة، لأن الأسعار التي تمكن إنتاج هذا النفط تتفاوت بين مناطق الانتاج وغزارة الاحتياطي، وبالتالي معدل التكاليف وهي تتفاوت حسب تقديرات الخبراء من 80 إلى 40 دولارا وربما 30 دولارا.
كان متوسط الاستثمار الجديد في إستخراج هذا النفط يتراوح بين 60 – 90 دولارا، لكن هنالك تقديرات بأن يهبط هذا المعدل إلى 50 و40، بل وحتى 30 دولارا حسب المنطقة، وتختلف أيضا بين الاستثمار الجديد وبين الاستثمار المنفذ والذي دخل مرحلة الانتاج ، وبالتالي فإن المعركة قد تطول.
الضغط السياسي
أما بالنسبة للضغط على إيران وروسيا فصحيح أن كلا البلدين يواجهان أوضاعاً إقتصادية صعبة، ومجيء روحاني بعد الانتخابات كان على أساس برنامج إصلاحي أهم ما فيه معالجة الوضع الاقتصادي، ولكن ما زال يواجه صراعا مع القوى المتشددة.
أما روسيا فإن ارتفاع أسعار فائدة الاقتراض من البنوك الذي صدر بعد منتصف الليل يشير إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، ومظاهرها انخفاض في قيمة الروبل، وخسائر كبيرة في عوائد النفط.
ولكن إذا كان أحد أهداف عدم تخفيض إنتاج دول الأوبك من النفط استجابة لموقف دول الخليج، الضغط على ايران وروسيا فأيضا قد يستغرق ذلك وقتا طويلا لتحقيق أي نتائج، فايران لم تغير مواقفها إبان حربها مع العراق التي استمرت ثماني سنوات.
الآن الأزمة كما يبدو قد تطول ولن تكون المدة قصيرة كما كانت عام 2008، فالتوقعات قد تمتد إلى السنة القادمة، فحسب تصريح سكرتير الأوبك أن أبعاد أزمة أسعار النفط لن تتضح إلا في منتصف السنة القادمة، والخبراء أيضا يقولون شيئا مماثلاً بأن أبعاد الأزمة لن تتضح إلا إلى بعد الربيع القادم.
سؤال إلى الأوبك
إذا طالت الأزمة لأكثر من 8 شهور أو سنة أو أكثر فنتائجها وخيمة على جميع دول الأوبك التي تعتمد في تمويل الإنفاق في ميزانياتها على أسعار النفط وإيراداته.
فمعدل الخسائر باعتبار انخفاض سعر برميل النفط بمعدل 40 دولارا، يعني خسارة 34 مليار دولار شهرياً، وإذا استطالت إلى سنة فالخسارة ستكون 410 مليار دولار، أما الرابحون فهم المستوردون لنفط الأوبك وأهمهم الولايات المتحدة التي ستجني ربحا مقداره 86 مليار دولار سنويا نتيجة إنخفاض قيمة ما تستورده من النفط. والآن هل ستقوم دول الأوبك بإنقاذ هذا الموقف والعودة للاجتماع وإتخاذ قرار بتخفيض الانتاج كما فعلت عام 2008، عندما انخفضت الأسعار من معدل 140 دولارا للبرميل إلى إقل من 40 دولارا، فلجأت إلى تخفيض الانتاج ثلاث مرات؟؟
الطليعة الكويتية – 17 ديسمبر 2014