بعد الانقلاب العسكري بقيادة عبد السلام عارف في 8 شباط 1963، وبدعم من البعثيين وإعدام عبد الكريم قاسم في اليوم الثاني، مارس النظام الحاكم الجديد سفك الدماء دون رحمة مما برزت مقاومة شديدة ضد النظام من قبل انصار قاسم والشيوعيين، وعلى هذا أصدر مجلس قيادة الثورة من نظام حزب البعث الذي تربع على منصة الحكم بيانه الأول، أعطى فيه الضوء الأخضر لأعضائه وأنصاره بقتل الشيوعيين وإبادتهم في كل مكان حيث تم إلقاء القبض على سلام عادل “حسين الرضى” سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وعلى عدد من أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي حيث قتلوا بعد تعذيب وحشي. فكانت أحداث عام 1963، بمثابة ذكرى اليمة في ذاكرة الشيوعيين العراقيين حيث اصبحت عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب مشاهد يومية يمارسها الحرس القومي.
وفي 18 تشرين الثاني 1963، استلم الحكم عبد الرحمن عارف بعد سقوط طائرة عبد السلام عارف ومقتله حيث تدور الاتهامات بأنه اغتيال مخطط له.
وبعد حكم الأخوين عارف، حكماً عسكرياً الأمر الذي دعى القوى الديمقراطية إلى ضرورة إنهاء حقبة حكم العسكر، والانتقال نحو التحول الديمقراطي واطلق الجارودجي تصريح لجريدة العرب في أيار 1966، أشار فيه إلى ان تردي الوضع في البلاد يعود إلى إنعدام الحياة الديموقراطية ودعا إلى إطلاق الحريات العامة، كحرية الصحافة والاجتماع وتأليف الأحزاب، وحث الحاكمين على ضرورة تعديل الوضع الشاذ، لتتجنب البلاد إلى نهايات مفجعة على حد تعبيره.
دبر البعثيون وحلفاؤهم الأنقلاب على عبد الرحمن عارف في 17 تموز، وعادوا للحكم مجددأ عبر انقلابين اثنين الأول في تموز 1968، والثاني في 30 تموز حيث كان الثاني انقلاباً بعثيا بحتا في تنفيذه ، تخلصوا في الانقلاب الأول من عارف بالتعاون مع أقرب معاونيه، وتخلصوا في الإنقلاب الثاني من الأقل ملائمة لهم من حلفاؤهم ، و في كلا الحالتين مارسوا المكر والخداع والإنقلاب والعنف.
حيث اتخذوا هذه الوسائل إلى جانب وسائل أخرى كي يمكثوا في الحكم قرابة ثلاثة عقود ونصف ليغادروها في 9/4/2003، بعد دخول القوات الإمريكية إلى العراق واحتلاله.
واتسم نظام حزب البعث بالسمات الآتية:-
1) الفكر القومي والخطاب العروبي :
لقد جاء حزب البعث في فترة كان العمل الأيديولوجي يعاني أزمة إنحسار بين تشبث البعثيون في خطابات ميشل عفلق المعززة للفكر القومي والتي بطبيعة الحال خطابات مفككة وغير مترابطة ولم تكن مصاغة بشكل جيد، كتبها تحت ضغط الأحداث وإذا جمعت هذه المواد فإنها لا تشكل وجهة نظر جيدة بينما البعثيون ينظرون إلى عفلق وخطاباته بأنها صنوان .
في بداية الحقبة رفعوا راية الوحدة الإندماجية الفورية بين البلدان العربية على أن تبدأ أولا بين العراق ومصر وسوريا، وتركزت خطابات عبد السلام عارف على العروبي الإسلامي والتقرب إلى الزعيم جمال عبد الناصر ، وخاصة في موضوع الوحدة العربية مما زادت قوته لمدة من الزمن .
الحقيقة زايد البعثيون في خطابهم القومي ، لدرجة التعصب بل غدت الشوفينية هي من أهم المميزات الفكرية للحزب ولم يسلم منهم الأكراد ، ولا حتى سكنة الأهواز من العراقيين .هناك قيادات بعثية من أصول كردية تنصلت من قوميتها إستجابة مع شوفينية النظام .
2) المناورة والتآمرية الإنقلابية :
لم يكن حزب البعث قويا ليتكمن من إستيلاء السلطة بل كان ذلك عبر المناورة وخداع التحالف ، فلا يوجد لديهم صديق دائم ولا مبادئ دائمة . فالتحالف لديهم وقتي للوصول إلى الهدف ثم التآمر عليه فيما بعد ، وقد بدأ ذلك عبر إبرام الإتفاق بين عبد الرزاق النايف، ثم الإنقلاب عليه مما يبدوا أن النايف والداوود هم من نفذوا الإنقلاب العسكري لكي يكونوا شركاء في الحكم ، ولكن غدر البعثيين لم يمهلهما أكثر من أسبوعين وأطاحوا بهما في 30 تموز 1968 وبعلم وبموافقة المخابرات الأمريكية. ففي اليوم الذي يوقع على تحالف ما، يوقع في الوقت ذاته على خطته الخاصة بالإلتفاف والإنقلاب على الحليف . وهذا ما حدث للأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وكذلك البكر حيث أبعده صدام من الحكم و كان يعمل على تثبيت مستقبله عبر السيطرة على المخابرات وأجهزة الأمن والمؤسسة العسكرية .
3) سلطة الحزب ودولة الفرد :
عملت قيادات الحزب ذات النزعة السلطوية بتصفية رفاقهم في الحزب ذات النفوذ إبتداء من رأس الهرم الحزبي ،ولم يكن إعدام كزاز ومجموعة كبيرة من المحسوبين عليه عام 1973 ، وتصفية ذلك العدد الكبير من القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة – فرع بغداد في عام 1969 وأعقب ذلك المنافسين السياسيين والخصوم ، حيث تسنى بناء الحزب وإختصاره لاحقا إلى حكم العائلة والفرد في نهاية المطاف ، حيث توسعت صلاحية الحاكم ، فلم تسعه السلطة التنفيذية بل أمتد لتشمل أوجهها السياسية والإقتصادية والقضائية حيث تنفيذ الإعدام بأمر منه وما المحاكم إلا مجالس صورية ، إذ دخلت عائلة صدام وأقرباؤه محل البعث التكريتي كصناع قرار في الحزب أما القيادات الأخرى فهي ملاحق للحكم ليس إلا .
4)إشعال الحروب وتصدير الأزمة للخارج :
إعتاد حزب البعث في نهجه للهروب من الأزمات الداخلية المتفاقمة نتيجة سلطة الفرد الواحد الواحد حيث تدهور الإقتصاد وزادت البطالة وأرتفعت الأسعار وهبطت العملة العراقية فما كان من حزب البعث إلا تصدير أزماته الداخلية إلى حروب خارجية ، فافتعل الحرب العراقية الإيرانية لتمتد أكثر من سبع سنوات من بداية إيلول 1980 حتى تموز 1988، مما تفاقمت الأمور أكثر مما هي عليه وأستنزفت هذه الحرب ثروات البلاد النفطية والبشرية . ولم تسلم الكويت التي دعمته في حرب إيران من الإعتداء وإستباحتها في 1990 وإلحاقها كمحافظة جديدة للعراق مما فتح باب جهنم على النظام بحرب شنتها الولايات المتحدة الإمريكية وإخراج الجيش العراقي مذلولا وتعرض البلاد إلى عقوبات إقتصادية قادت البلد إلى الهاوية.
5) سياسة التمييز :
صحيح أن للطائفية جذور في المجتمع العراقي إمتدادا للصراع الصفوي العثماني ولاحقا التركي الإيراني وانعكس ذلك على طبيعة الدولة ومع مجئ عبد الكريم قاسم آبان الجمهورية عزز المواطنة والكفاءة والخبرة على الجانب الطائفي ألا أن ذلك أنتهى مع مجيء حزب البعث حيث إزدادت الطائفية في العراق . ولاحقت الأكراد الويل من هذا النظام حيث قاموا بتهجير واسع ضد الأكراد الفيليين في الحقبة 1971-1972 بعد حرمانهم من الجنسية العراقية على الرغم من إقامتهم بالبلاد منذ عقود ، وكرر النظام في نيسان 1980 آبان الحرب العراقية الإيرانية وقبلها بشهور هجمة طالت 200 ألف كردي فيلي ، وإسقاط الجنسية العراقية عنهم في حملة غير إنسانية وأستولى على ممتلكاتهم .
6)الدولة الأمنية :
بنى النظام من أجل حمايته مؤسسات أمنية عديدة من جهازالأمن والمخابرات وإسكات كل صوت معارض وزرع في كل عائلة مخابرات تقدم تقريرها بشكل دوري عن أوضاع أفراد كل عائلة حتى أصبح حزب البعث مسؤلا عن تقاربر المواطن العراقي وخلق صدام صنوف عديدة من الوحدات العسكرية في الجيش العراقي ( الحرس الجمهوري – الحرس الخاص –فدائي صدام- وحدة الحماية الرئاسية ) .
7) الترهيب والترغيب :
كان يمارس سياسة الترغيب في إغراء من يريده بالأموال والعطاءات وتقديم الأوسمة المختلفة بما فيها وسام الشجاعة لكل من يتميز في ولائه لحزب البعث ومن يشم منه ميله للمعارضة يقوم بتصفيته حتى لو كان أقرب الناس إليه وكان زوج إبنته خير مثال عندما هرب إلى الأردن خوفا منه وقام بتطمينه عبر وساطات أردنية ومن خلال زوجته ولما عاد إلى العراق قام بتصفيته .
8) عسكرة المجتمع :
ركز النظام على بناء جيش كبير حيث وصل تعداده إلى مليون جندي عراقي ورصد أكثر من 22 مليون ألف دولار في شراء مصانع الأسلحة الحربية وحول جنرالاته إلى رجال أعمال أداروا هذه المصانع في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى البناء وإعمار ما خربته الحرب بالرغم من تراكم الديون، بل وصل الأمر إلى تشكيل فرق جديدة باسم ميليشيات الدولة – الجيش الشعبي- جيش صدام – فتوة صدام – أشبال صدام…
9) التبعيث :
فرض الإنتماء إلى حزب البعث فرضا قسريا حيث أستفاد من ينتمي إلى هذا الحزب بالحصول على كل تسهيلات الجمهورية سواء قبوله في الجامعات حتى لوكان معدله ضعيفا ، و الترقيات الوظيفية والحصول على فرص التعليم الجامعي لمن فاتهم التعليم حتى روجوا المقولة “أن العراقيين بعثيون وأن لم ينتموا ” وفرضوا قوانين لإعدام كل من ينتمي إلى حزب سياسي غير حزب البعث .
10) الدولة الريعية :
أعتمد النظام في دخله الإقتصادي على مورد أساسي وهو النفط، حيث وظفت موارد النفط لصالح قبضة السلطة على المجتمع، حيث المستفيد الأول هم المتنفذون من قيادات حزب البعث مما حول المجتمع العراقي إلى مجتمع مستهلك .
11) الحملة الإيمانية :
أضاف النظام القدسية على حروبه باسم الفتوحات الإسلامية وأطلق حربه مع إيران بحرب القادسية الثانية ، أو قادسية صدام وأضاف عبارة الله أكبر على العلم العراقي وتحول الخطاب الرسمي من خطاب قومي إلى إسلامي حيث أعتبره البعض خروجا من الطبيعة العلمانية للقومية والدينية .
وللبقية تكملة………