ونحن على وشك أن نودع العام 2014، نجد أن المشهد السياسي في المنطقة العربية يتجه باتجاه لا يخلو من بسط حالة الاستبداد الناجمة إما من ممارسات الترهيب أو قلة الوعي السياسي الذي لا يتكلم عن تحسين أوضاع الفرد من خلال نظام سياسي عادل يسمح بالمشاركة في صنع القرار. إن ما حدث في العام 2011، قد جاء بدافع التغيير بسبب تفاقم حالة الاحتقان التي لا تسمح للفرد بأن يتحرّر من قيود ركائز الدولة الفاسدة والبوليسية المتفشية بشكل سرطاني في مختلف بلدان المنطقة العربية. وهو ما جعل شباب تونس مثلاً، يخرجون إلى الشوارع بحثاً عن الحقوق التي غيّبتها الدولة البوليسية في حقب مختلفة، مخلّفةً بذلك ثقافةً لا تعترف بقيمة الإنسان ولا برأيه.
وقد يكون المشهد السياسي في تونس اليوم (رغم بعض الإشكاليات) أفضل حالاً عنه في المشهد المصري الذي وصل إلى تبرئة القضاء المصري للرئيس المخلوع حسني مبارك، والانزلاق في انقسامات حادة تزداد داخل المجتمع المصري قد تمهد إلى حرب أهلية ترمي بظلالها على المنطقة.
إن ما يحدث في أكثر من شارع عربي، يعكس تعزيز ثقافة الترهيب والعمل بالرأي الواحد الذي لا يسمح بالنقد ولا بالإبداع الذي يعترف بالاختلاف، ولا حتى التعددية داخل المجتمع الواحد.
وهذا تماماً ما يأتي في النظام السلطوي الذي يكون أخف وطأةً من النظام الشمولي، الذي يلغي الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة. ففي النظام السلطوي هناك حرية محدودة ونسبية للأفراد ولبعض المؤسسات، ولكن في ظل رقابةٍ مستمرةٍ من أجهزة السلطة. وذلك ما يخلق مجتمعاً عاجزاً عن إبداء الرأي ومسايرة السلطة في توجهاتها المعلنة من غير اقتناع حقيقي.
أما النظام الشمولي فهو يفرز ثقافته الخاصة، وهي ثقافة تقوم على فرض الطاعة والخوف من السلطة، والانصياع التام لأوامرها. ثقافةٌ لا تسمح بالإبداع ولا بالإبتكار، وإنّما تنصّ على تنفيذ توجهات الحاكم الفرد مهما كانت، وذلك من أجل إفراغها من أي مضمون.
ولذا فإن الانتقال من نظام شمولي إلى آخر ليبرالي ليس بحاجةٍ إلى تغييرات دستورية وسياسية فقط، وإنما بحاجة إلى ثورةٍ ثقافيةٍ كبرى تنقل المواطن من حالة السلبية والخوف، وبصورةٍ أدق من حالة «الاغتراب»، إلى الحالة الإيجابية، وهذه النقلة الكيفية من شأنها أن تجعل المواطن الذي كان مجرد رقمٍ في قطيع كبير في ظل الشمولية، إلى فردٍ له استقلاليته وله كرامته الإنسانية.
قد تكون مجريات ما حدث في البلدان العربية شبيهة بما جاء في رواية الكاتب التشيكي فرانز كافكا «القلعة»، التي نشرت في العام 1926، وتعالج حالة اغتراب الفرد والبيروقراطية وحالة الإحباط المستمر من جراء محاولات مقاومة النظام. فهي تتكلم عن بطل الراوية «ك» الذي حاول أن يقابل من في القلعة (السلطة) التي تحكم القرية من أجل أن يعمل مسّاح أراضٍ.
إن الواقع السياسي العربي ليس بعيداً عمّا تطرحه رواية كافكا، الذي عكس فيها صورة السلطات التي تبعد نفسها عن الحقيقة. هذه «القلعة» بملفاتها الغريبة وتراتبية موظفيها التي لا يمكن فك ألغازها، وإصرار البطل على أن يجابه ذلك باحترام كلي، وطاعة عمياء في ظل غياب تام للعدالة واغتراب شبيه اليوم بحالة الاغتراب العربي المعاشة في ظل النظام الشمولي.
صحيفة الوسط البحرينية – 03 ديسمبر 2014م