تطرح التحولات في البلدان العربية منذ عام 2011، دور الدولة المركزي في وحدة كل بلد عربي طالته التغييرات، بنسبة من النسب. الحق أن هذه المسألة ليست جديدة على الفكر السياسي العربي، وفيها وحولها كتب مفكرون وباحثون عرب الكثير، وحذر بعضهم، مبكراً، من المآلات التي بلغناها، لكن هذه المسألة تطرح اليوم بحدة تحت ضغط هذه المآلات بالذات.
دور الدولة حاسم ومركزي في كل المجتمعات، بما فيها تلك البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العريقة في الغرب، حيث للمجتمع قوة متكافئة معها، ولكن هذا الدور يزداد أهمية في أحوال بلدان شبيهة ببلداننا العربية، في غياب مؤسسات المجتمع المدني الحديثة أو هشاشة بنيتها ودورها، واختراق البنى التقليدية المحافظة، كالعشيرة أو القبيلة أو الطائفة، لبنية الدولة، وفي بعض الحالات تماهيها معها.
مؤسستان لا يجرى التفريق بينهما بعناية: النظام والدولة، وهذه الأخيرة هي منظومة متكاملة تشكلت عبر مسار تاريخي يطول أو يقصر في تطور البلد المعني، معنية بحفظ النظام العام وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين التي يمكن أن تبدأ بأمر من قبيل تنظيم حركة المرور في الشارع، بلوغاً إلى خدمات الصحة والتعليم والشؤون البلدية. يمكن لشكل أو طبيعة النظام السياسي أن يتغير بإرادة مواطني البلد المعني، ولكن يجب الحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة، لأن انهيارها يعني إشاعة الفوضى التامة في المجتمع.
حين أسقط الضباط الأحرار في مصر النظام الملكي، ميزوا بينه وبين الدولة المصرية التي صانوا مؤسساتها، وهذا ما لم يحدث في كثير من البلدان العربية التي طالتها التغييرات، فقد استهدفت الدولة من حيث هي مؤسسات، حتى أطيحت أو أضعفت، ولما لم تكن هناك قوة بديلة تتمتع بالإجماع، آل مصير الأوطان إلى التشظي والاحتراب الأهلي، لأن التغيير لم تقده قوة تحظى بالقبول الذي كان لحركات التحرر الوطني من الاستعمار بعد انتصارها: نموذج جبهة التحرير الوطني في الجزائر والجبهة القومية في جنوب اليمن مثالاً، حيث أمكن بناء مؤسسات الدولة بدرجة كافية من التراضي الشعبي.
يبدو النموذج التونسي استثناء لسبب مهم هو نضج وقوة ووعي المجتمع المدني ذي التقاليد الراسخة، ما مكن تونس، حتى الآن على الأقل، من عبور المرحلة الانتقالية بأقل قدر من الخسائر، وأكثر من ذلك عدم التفريط بمنجزات الجمهورية البورقيبية وصونها، والبناء عليها، بالعمل على تطوير المنجز السابق، وما أكثرها.