في علاقة
الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر دول العالم تطبيقاً “لوصايا” صاحب كتاب
الأمير نيكولو مكيافيلي في طرق ممارسة السياسة بالأدوات الانتهازية
والنفعية في علاقتها بالمجموعات الإرهابية مثل قيادات ومقاتلي القاعدة
والشيشانيين، يمكن للمتابع أن يرصد مراوحتها بين مد (فترات عسل) وجزر
(فترات كمد)!
الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر دول العالم تطبيقاً “لوصايا” صاحب كتاب
الأمير نيكولو مكيافيلي في طرق ممارسة السياسة بالأدوات الانتهازية
والنفعية في علاقتها بالمجموعات الإرهابية مثل قيادات ومقاتلي القاعدة
والشيشانيين، يمكن للمتابع أن يرصد مراوحتها بين مد (فترات عسل) وجزر
(فترات كمد)!
ويمكن بناء نموذج دورتها على شكل متوالية تبدأ بعملية
التخليق “العملي” المدروس، وتتطور إلى مرحلة النشوء والارتقاء في ظل
الرعاية غير المرئية وغير المعلنة بطبيعة الحال، على غرار الأبناء غير
الشرعيين نواتج العلاقات الواقعة خارج مؤسسة الزواج . . قبل أن تتصير
تنافراً وتجاذباً بين الراعي المثقل بأعباء العلاقة، والمرعي المغدور به،
فالطلاق غير البائن المفضي إلى اشتباك الضواري الوحشي .
أما فيما يتعلق
بعلاقة “إسرائيل” بالمنظمات الإرهابية العاملة على أساس نفي الآخر وتكفيره
وغزوه وسبيه، فإنها تتسم بالغموض والسرية . فقد ظل الطرفان، التكفيريون
و”إسرائيل”، منذ انتظام التكفيريين في أول إطار تنظيمي هو “القاعدة”
لممارسة الإرهاب سبيلاً لإنفاذ معتقداته، يتجنبان بعضهما بعضاً حتى على
مستوى الإشارات الإعلامية . فيندر أن تجد تصريحاً لمسؤول القاعدة الأول، بن
لادن أولاً والظواهري تالياً، وشيوخ المنابر والإفتاء الديني الموالين
للتنظيم، يتناول “إسرائيل” بالتهديد والوعيد، أو حتى الذم . ناهيك بطبيعة
الحال عن الاستهداف المادي . فالقاعدة استثنت “إسرائيل” من عملياتها
الإرهابية .
وكذلك فعلت “إسرائيل”، فلا هي شاركت الولايات المتحدة،
راعيتها الأم، عملياتها السرية ضد القاعدة، ولا هي اعتبرتها عدواً، أو حتى
عدواً محتملاً، سواء في خطابها السياسي أو خطابها الإعلامي .
وهذا ينطبق
تماماً على علاقة “إسرائيل” بالتنظيمات التي فرختها “القاعدة” مثل “داعش”
و”النصرة” وغيرهما . بل إن “إسرائيل” لم تتردد في نسج علاقات تعاون وتنسيق
مع فرع تنظيم القاعدة في سوريا، أي جبهة النصرة، حيث حظي جرحاها برعاية
طبية وعلاجية في المستشفيات “الإسرائيلية”، فضلاً عن تلقيها إسناداً
عسكرياً، مدفعياً وعتاداً ومعلومات تمكنها من مقاتلة الجيش السوري واحتلال
مناطق محاذية للأراضي السورية التي تحتلها “إسرائيل” .
ف “إسرائيل” لا
تهمها هوية “الزبون الأجير” المستعد لخدمتها، سواء أكان مسيحياً أم شيعياً
أم سنياً أم كردياً أم درزياً . في السابق شغلت في خدمتها مجاميع من
المتعاونين من المسيحيين والشيعة في جنوب لبنان، وأنشأت لهم كياناً عسكرياً
أسمته “جيش لبنان الجنوبي” . مثلما تخادمت مع، وجندت آخرين ذوي انتماءات
عرقية ومذهبية مختلفة . وهي لذلك لا تبدو مكترثة بمذهب “النصرة” أو “داعش”
ولا بخلفيتهما الإرهابية ولا بكونهما مطلوبين للعدالة الدولية، ماداما
يخدمان المصلحة “الإسرائيلية” .
والحال أن المنظمات الإرهابية
التكفيرية و”إسرائيل” تشبهان بعضهما بعضاً، من حيث أن “إسرائيل” هي الأخرى،
كما التكفيريين، لها جذر أيديولوجي، ديني، محوره وهم “شعب الله المختار”،
ومنطلقه ترتيباً، إقصاء، وصولاً إلى إلغاء، “الأغيار”، أي الآخرين غير
اليهود .
يوري افنيري الكاتب والناشط “الإسرائيلي” الذي تقدمه “إسرائيل”
كأحد رموز “الوجه الآخر” الليبرالي للصهيونية، حذر في مقال نشره على موقع
“كاونتر بانتش” يوم 5 سبتمبر/أيلول الماضي، قادة “إسرائيل” من مغبة تساهل
اللعب مع “داعش”، معتبراً أن هذا التنظيم، بكوادره وأتباعه أخطر على
“إسرائيل” من كل الأنظمة القومية العربية التي صارعتها “إسرائيل” على مدى
ستة عقود ونيف . فتلك كانت في نهاية المطاف أنظمة علمانية ذات أهداف وحدوية
عروبية وأبنية ليبرالية وديمقراطية . أما “داعش” وأضرابه فهي تنحو منحىً
دينياً متطرفاً في خوض صراعاتها ضد الآخر . ولما كانت الصراعات الدينية غير
عقلانية بطبيعتها، فإن فرص دخول “إسرائيل” في نفق الصراعات والحروب
الدينية، يتزايد مع ازدياد سطوة تنظيم داعش وأضرابه من التنظيمات التكفيرية
.
اللافت أن يوري أفنيري تعمد الفصل في مقاله سالف الذكر بين خطورة
الأيديولوجية الدينية لتنظيم “داعش” وداعشية “إسرائيل”، سيما توجهها لإسباغ
الهوية اليهودية الخالصة على دولة “إسرائيل”، وإجبار العالم على القبول
بهذا الواقع العنصري الذي يتوج الاندفاع الهستيري للمجتمع “الإسرائيلي”
بكليته تقريباً، نحو استكمال بقية أركان دولة نظام الفصل العنصري البائد في
جنوب إفريقيا .
. . كما لعبت أمريكا بنار “القاعدة” لتكتوي بها لدن
حدوث الانعطاف في مصالح الطرفين، فإن ربيبتها “إسرائيل” هي الأخرى تلعب
بالنار، إذ تلاطف وتُلاعب وتداعب وحش القاعدة الوليد “جبهة النصرة” وربما
“داعش” من تحت الستار أو في مقبل الأيام!