وسط حالة الضياع التي تعانيها شعوبنا العربية في المرحلة الراهنة منذ أن انعقد زمام الأمر لزعماء وقادة الطوائف يقررون الأمور، يدفع نفسه، وبقوة، السؤال: أَمَا من قوى في مجتمعاتنا قادرة على أن تطرح الأسئلة الكبرى، الموجعة، حول مآلاتنا الراهنة، وحول الأسوأ الذي ينتظرنا، إذا ما ترك العنان لهذه الموجات من الخراب أن تستمر .
أين هم الحكماء، من ساسة ومفكرين ومبدعين ورجال دين، القادرون على رأب الصدع وتغليب المشتركات بدل الحفر في الطبقات السفلى من الوعي المملوء بالموروثات المُغذية للفرقة والانقسام، القادرون على صوغ خطاب الوحدة الإسلامية الموجهة للمستقبل والمبنية على فكرة التجديد الإسلامي، على نحو ما فعل رواد فكر النهضة العربية، الذين وضعوا، بكامل الشجاعة، خرائط طريق للمستقبل على غير صعيد .
ما تفعله وسائل الإعلام عامة، ووسائل الاتصال الاجتماعي خاصة، هو تغذية الانقسام المذهبي وصب الزيت على نار الغلواء الطائفية المتأججة، وليس بحثاً عن مخارج لحال التسعير الطائفي في العالمين العربي والإسلامي بإبراز المشتركات الهائلة بين المسلمين، لا في دينهم فقط وإنما في دنياهم أيضاً، وهم يواجهون ما يواجهون من تحديات الجهل والفقر والأمية واحتلال الأراضي وانتهاك السيادات الوطنية، بل إن هذا اللهو واللغو، هدفه الهروب من استحقاقات الدنيا لا الدين .
إن استلال هذه الصفحة أو تلك من الصفحات الملتبسة في تاريخنا، لتكون موضع الجدل: أي الملل الإسلامية على حق، هدفه إشعال السجالات التي تخلق فتناً وحروباً، وفرّخ لنا “دواعش” لا “داعش” واحدة، وحريٌ بالمعنيين أن يتحلوا بالشجاعة التي يمليها عليهم الضمير والمسؤولية التاريخية، بما لهم من تأثير ونفوذ في وعي العامة، فيحسون بالخطر المحدق، بعد أن تُرك الحبل على الغارب للاستنفار المذهبي والطائفي أن يفعله في أوطان ومجتمعات هشة تندفع، مجنونةً، نحو الخراب .
لو التفتنا اليوم يمنة ويسرة، فسنرى أن العرب والمسلمين فقدوا تلك الجذوة التي حملتهم يوماً ما إلى العالم، فقدوا الحافز للهجرة نحو المستقبل، وارتضوا أن ينشغلوا بتوافه الأمور، ويستلوا من تاريخهم صفحات الحقب التي طغت عليها الفرقة والانقسام، فإذا بهم منشغلون بنزاعات الفرق والمذاهب والطوائف، يضعونها في مكان الصدارة، جاعلين منها مُحرضاً على الفتنة وحتى على الاقتتال الأهلي، بدل أن يجري فهم واستيعاب الملابسات التاريخية التي أفرزت الانقسامات والصراعات في حقب بعينها من تاريخنا .