مر قرابة الشهرين على سيطرة مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد في العاشر من يونيو/ حزيران الماضي وبعض مدن الغرب العراقي، ووصلت جحافلهم إلى مواقع لا تبعد كثيراً عن العاصمة بغداد . ومع ذلك بدا العالم كأنه غير مهتم بهذا الاختراق النوعي الخطر لنواميس العلاقات الدولية التي كان متوقعاً حينها أن تسارع الأسرة الدولية لوضع هذه المنظمة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المستوجبة للملاحقة باعتبارها امتداداً لتنظيم القاعدة الملاحق دولياً بموجب نظام جزاءات لجنة مجلس الأمن المنشأة عملاً بالقرار 1267 الصادر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1999 وقراراته اللاحقة، الشاملة للأفراد والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أينما كان موقعهم، والتي صدرت جميعها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . وإنما العكس هو الصحيح، إذ بدا العالم للحظة كأنه راح يتقبل ويتعايش مع الواقع الذي أنشأته “داعش” على الأرض رغم فظاعة وحشيته وبربريته وصدمته الإنسانية، من قطع للرؤوس وجلد وصلب ورجم في الساحات العامة المزدحمة بالمهللين والمكبرين ومتمنطقي البنادق والخناجر والسيوف، ومن تطهير ديني وتهجير قسري للمسيحيين من الموصل، وهو ما حدث لأول مرة في تاريخ العراق، حيث خيرت “داعش” المسيحيين بين اعتناق الإسلام الداعشي أو دفع الجزية أو السيف، وذلك كمقدمة لتطهير المدينة من كل من لا ينقل ولاءه إليهم، ومن تفخيخ وتفجير لقبور الأنبياء والمساجد والمزارات الدينية . . الخ من الجرائم التي لم يعرفها التاريخ البشري إلا في عصوره الظلامية . وهو ما يتطابق تماماً مع ما يقوم به الابن الشرعي الآخر للقاعدة “بوكو حرام” في نيجيريا ضد المسيحيين هناك . حيث، مثلها مثل “داعش”، تعمل جماعة “بوكو حرام” على توسيع دائرة عملياتها الإرهابية لتطال المركز، حيث فجرت مستودعاً للوقود في حي الميناء للعاصمة الاقتصادية لنيجيريا “لاغوس” (العاصمة السابقة ذات ال 21 مليون نسمة قبل إنشاء مدينة أبوجا ذات المليون نسمة في ثمانينات القرن الماضي وتسميتها عاصمة رسمية للبلاد في ديسمبر 1991) . وكما في مصر أيضاً حيث أعلن تنظيم “داعش” في بيان أصدره عبر حسابه على موقع “تويتر” مساء 24 يوليو/ تموز الماضي تبنيه لمذبحة الفرفارة أواخر الشهر الماضي والتي أسفرت عن استشهاد 23 من المجندين المصريين وإصابة عدد آخر منهم .
ولكم أن تتصوروا أن تنظيم “داعش”، وبرغم سجله الحافل بالجرائم الوحشية التي يرتكبها في وضح النهار وعلى مسمع ومشهد من العالم أجمع منذ تأسيسه في عام ،2006 غير مدرج لحد منتصف الشهر الجاري من قبل مجلس الأمن الدولي على قائمة المنظمات الإرهابية . وفيما التنظيم ظل يواصل جرائمه بكل ثقة، للتو فكرت الأمم المتحدة في اقتراح إدراجه على اللائحة السوداء للجنة التحقيق الدولية التابعة لها حول حقوق الإنسان في سوريا، حيث اقترح رئيس اللجنة باولو بينيرو ذلك في تقريره الذي عرض على مجلس الأمن في جلسة غير رسمية الجمعة 25 يوليو/ تموز الماضي . ولكن مع الإشارة البالغة الأهمية ها هنا بأن بينيرو نفسه قد انتقد علناً ما وصفها بالدول المؤثرة، لموقفها الغامض من مسألة توفير الدعم للأمم المتحدة في المحاسبة على الجرائم المرتبكة من قبل “داعش” .
ولسوف يزداد ذلكم الغموض الذي أشار إليه بينيرو، غموضاً، مع الالتباس الذي اكتنف موقف الدولة التي أعلنت أنها في حالة حرب مفتوحة على الإرهاب منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن عام 2001 . فما أبدته واشنطن من ردود أفعال تجاه داعش حتى لحظة صدور قرار مجلس الأمن رقم 7143 يوم الجمعة 15 أغسطس/ آب ،2014 وما كانت تفرد له صحافتها من مساحات لتغطية أعمال وجرائم هذا التنظيم الذي راح يتمدد على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وصار ينتقي أهدافه بدقة (مواقع حقول وآبار النفط والغاز)، كانا يشيان بشيء مريب وكانا يطرحان تساؤلات ربما تعمل الصدف أو القريحة الإنسانية الفياضة للضمير الشخصي الإنساني (كما في حالة سنودين)، على إماطة اللثام عن إجاباتها يوماً ما، وربما ستبقى سراً من الأسرار التي ستدفن مع أصحابها مثلها مثل “سر” اغتيال الرئيس جون كنيدي!
تساؤلات من قبيل:
– ما سر الغموض الذي ظل يلف موقف واشنطن ومعها خصوصاً لندن وباريس، من تنظيم “داعش” منذ تأسيسه في عام ،2006 والذي يتراوح ما بين عدم الاكتراث بما يحدث لضحاياه وإطلاق التصريحات المضللة بشأن التنظيم لزيادة جرعة الغموض الذي يلفه، علما بأن بريطانيا هي التي تكفلت بتقديم القرار الجديد الى مجلس الأمن؟
– لماذا اختفت طائرات ال “درون” (من دون طيار) التي قالت واشنطن انها ستستخدمها ضد عناصر “داعش” في أعقاب استيلاء التنظيم على مدينة الموصل وبعض المناطق في غرب العراق، ولم تظهر الا عندما أصبحت جحافل هذا التنظيم تدق أبواب أربيل عاصمة إقليم كردستان بكل ما تحتضنه من حضور قنصلي واستثماري نفطي غربي؟
– ما هو سر عدم معاداة “داعش” ل “إسرائيل”؟ وما تفسير استقبال “إسرائيل” نحو 1500 جريح من “داعش” وقرينته “النصرة” لعلاجهم في المستشفيات “الإسرائيلية”؟
– ما هو السر وراء قرار قوات الاحتلال الأمريكي للعراق بإطلاق سراح مؤسس “داعش” أبوبكر البغدادي الذي كان نزيلاً بأحد سجون القوات الأمريكية في العراق، ومن أين أتى بالملايين الثلاثين لإنفاقها على تجنيد الأنصار؟
– أوليس لافتاً أن “داعش” لم تقتل أمريكياً واحداً إلا بعد أن قامت الولايات المتحدة بضرباتها عليها، وذلك على سبيل الانتقام .
الآن، هل لهذه الأسئلة الحائرة علاقة بالهدف المبطن لواشنطن من هذا التمدد الفجائي والواسع لتنظيم “داعش”، وقد صار “يدق الأبواب” في غير قطر عربي، والمتمثل في استخدامه ورقة ضغط تفاوضية إقليمية لما بعد رفع الغطاء “الدولي” عن الجماعات المسلحة في سوريا والعراق؟