آفاق تحالفات
التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية
إختار لي الأخوة
الأعزاء أصحاب هذه الدعوة الكريمة التحدث في المحور الأخير من هذه الندوة، وهو
عنوان مهم لتعلقة ليس بالمستقبل كما يوحي العنوان “آفاق”، ولكنه عنوان
يتعلق بالعقد الماضي بأكمله وبالحاضر الوطني وبالمستقبل، أي فيما يتعقلق بكل
تحالفات التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية فيما مضى وفي حاضرنا الوطني وفي
المستقبل.
لا أدعي أنني قادر
بجدارة على تناول هذا العنوان الكبير في تواجد هذا الجمع الكريم، فهناك من هم أقدر
مني بكثير، وهناك من يزاول هذا الهم بشكل يومي من قادة تنظيمات التيار الوطني الديمقراطي
والمنتمين له، فهم يعرفون ما لا يعرفه من يراقب ما جرى وما يجري على الساحة
الوطنية عن بعد إلى حدٍ ما، أرجو اعتبار هذه المشاركة مني مساهمة متواضعة في هم نتشارك
فيه جميعا.
باعتقادي المتواضع
أنه لا يمكن الحديث عن آفاق تحالفات التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية
إلا بعد فهم الواقع الوطني القائم وخريطة قواه السياسية، وكذلك تحديد قوى التيار
الديمقراطي وفهم العلاقات البينية القائمة بين قوى هذا التيار المنظمة في جمعياته
السياسية والمجتمعية وشخصياته التي هي خارج هذه التجمعات المنظمة.
أعتقد أن هناك
سؤالا جوهريا ومهما يتعلق بهذا التيار، وهو هل العلاقات بين قوى هذا التيار هي
علاقات سوية تساهم في قوة هذا التيار وعطائه؟ أرى أن العلاقات البينية بين قوى هذا
التيار طوال العقد الماضي لم تكن بالمستوى المطلوب، فإذا كانت العلاقة بين قوى هذا
التيار ليست بالمستوى المطلوب والمنتظر، فلا يمكن رسم علاقة صحيحة وصحية مع القوى
السياسية الأخرى. المطلوب إصلاح البيت الداخلي لنا، فلن تعطينا القوى السياسية الأخرى
الاعتبار الذي نستحقه ما لم نكن مميزين ومتميزين. مع احترامي للقوى السياسية
الأخرى فلا هي ولا النظام سيعطونا وزنا إلا من باب رؤيتهم وبرامجهم وليس من باب
رؤيتنا وبرامجنا، لذا نبدو بأننا إن لم نكن ممزوجين بأحدهم فنحن على الهامش منهم.
بالتأكيد سيختلف معى البعض عندما أقول لا القوى السياسية الأخرى تريدني أن أكون
قويا ومتميزا ولا النظام يريد لي ذلك، وهذا حق للقوى السياسية الأخرى وللنظام
كذلك، من باب المنافسة السياسية على الأقل، فأي مساحة يأخذه التيار الديمقراطي
ستكون في جزء منها على حساب القوى السياسية الأخرى أو على حساب مساحة مستحوذ عليها
من قبل السلطة، لذا فإن أي تحالف في جزء كبير منه يخلق نمطا من العلاقات
الانتهازية بين أطراف العمل السياسي، وهذا ظاهر و واضح للعيان.
لذا بالنسبة لي
أملك أن أسأل أكثر من أن أملك إجابات في هذا المحور، أسأل من هو منخرط من قادة
جمعيات التيار الديمقراطي والمنتمين لهذه الجمعيات: هل قمتم بما هو مطلوب منكم في
تعزيز وحدتكم وقوتكم وتميزكم، حيث أنه بدون هذا التعزيز والتميز لايمكنكم الحديث
عن تحالفات، فأنتم تبدون أمام من يريد أن يسىء لهذا التيار و يتصيد في الماء العكر
أنكم تابعون للآخر، وقد تعززت هذه الإساءات بالذات خلال 14 فبراير 2011 وحتى هذه
اللحظة. أقول رأيي بصراحة قد تبدو قاسية، فقوى هذا التيار خلال العقد الماضي
وبالذات وبشكل واضح خلال فترة 14 فبرير 2011 وحتى الآن هي ليست صانعة حدث، وإنما
هي تجري خلف الحدث عبر علاقاتها مع قوى الاسلام السياسي الشيعي، وأنا هنا لا أدعي
لفصم هذه العلاقة، ولكنني أقول إن المطلوب من قوى التيار الديمقراطي أن تعمل على
خلق حالة وطنية، وهو ما فشلت فيه بامتياز وبالذات في الأزمة الراهنة التي انشق
فيها المجتمع عموديا، بل وسرى هذا الانشقاق حتى إلى صفوفنا، فالساحة الوطنية ليست
ساحة طائفة قبالة طائفة، وهو ما نجحت فيه السلطة وفشلنا نحن فيه؟ كان المطلوب من
قوى التيار الديمقراطي أن تكون واعية لهذه اللحظة التي كانت بادية قبل حالة
الانفراج التي تمت في بدايات العمل السياسي العلني وأصبحت أكثر وضوحا مع بدايات 14
فبراير 2014 وما بعده.
فالسؤال الموجه
لقوى هذا التيار، هل أدارت هذه القوى تحالفاتها بالشكل الصحيح خلال العقد الماضي
وبالذات خلال الأزمة الراهنة؟ ولماذا هي عاجزة في مثل هذا الوضع الذي يمر به الوطن
عن تكوين حالة وطنية جامعة، خاصة وأننا عابرون للطوائف كما نقول باستمرار؟
أقول بكل أسف وألم
وصراحة أن قوى التيار الوطني الديمقراطي أصبحت تبدو أنها جزء من حالة الانشقاق
المجتمعي عموديا، ساعد في ذلك الاسلام السياسي وتكويناته ببنية ترتكز على المنتمين
لطائفة دون الأخرى في ظل حراك معارض يرتكز على طائفة تنتمي لمذهب بعينه.
بالتأكيد أنني
ابتعدت عن عنوان المحور الذي طلب مني الحديث فيه، حيث أنه لا يمكن حسب تصوري
الحديث في هذا المحور دون معالجة أوضاعنا الداخلية وأداء أدوارنا بشكل متميز ومميز
نعمل من خلاله على خلق حالة وطنية.
وحتى لا أظلم
عنوان المحور الذي طلب مني الحديث فيه، فإنه في ظل الواقع القائم، فإن القوى
السياسية المقصود الحديث عن آفاق التحالف معها هي قوى الإسلام السياسي الشيعي
بالدرجة الأولى. هنا أرى أن هذه القوى ليست في بوتقة واحدة، هناك تباينات بينها،
لكن السلطة استطاعت بممارساتها أن تضعهم جميعا في بوتقة واحدة، بل واستطاعت وضع
قوى التيار الديمقراطى معهم في نفس البوتقة، وهي بوتقة التطرف والعنف، لذا يجب على
قوى التيار الديمقراطي أن تكون أكثر تميزا وأن تكون حساباتها غير حسابات حلفائها
من قوى الإسلام السياسي الشيعي. بالتأكيد أن هناك قوى في الإسلام السياسي الشيعي
تتبنى خطابا وممارسات أضرت وتضر بالعمل الوطني، ربما لا يستطيع الحلفاء من الإسلام
السياسي الشيعي مواجهتم بوضوح تام ولا يتم رفضهم وعزلهم، ربما تحت مبرر وحدة
الشارع الشيعي المعارض، فخلال فترة الدوار وما بعده في ظل الأزمة القائمة برزت
ممارسات وخطابات لم يتم رفضها وإدانتها بشكل واضح، مما أوجد حالة من الالتباس
استفادت منها السلطة ولا زالت تستفيد.
جميعنا يعرف أن جل
المطالب المطروحة على الساحة هي مطالب مشروعة وتستحق التحالف بشأنها، لكن يجب أن
نكون واضحين ومميزين ومتميزين في أي تحالف قائم أو تحالف مستقبلي، مع التأكيد أن
التحالفات القائمة أو المستقبلية منها في ظل انشقاق عمودي للمجتمع ستكون عديمة
الجدوى إن لم نستطع خلق حالة وطنية تنتشل الوطن من هذا الانقسام. للأسف أقول إن
هذه المطالب ومع مشروعيتها لن تتحقق في ظل هذا الانقسام ما لم يتم خلق حالة وطنية
جامعة.
بصراحة نحن أسرى
للحالة القائمة القاتمة، ربما أرى أنا ذلك وقد أكون مخطئا، ويرى غيري غير ذلك،
وبالذات من هو منغمس في الحدث ولديه علاقات مباشرة مع الفاعلين والمؤثرين.
أرى أنه يجب علينا
أن نكون واعين ومدركين من هو المقصود بالتحالفات معه عندما نشير إلى تحالفات
التيار الديمقراطي مع القوى السياسية، فالواضح أن المقصود بهذه التحالفات هي قوى
الاسلام السياسي الشيعي، لابأس من التحالف معها في ملفات معينة بشروط واضحة، فلسنا
نحن من أوجد قوى سياسية ذات بنية ترتكز على مكون من طائفة، لكن الواقع يجبرني على
التعامل معها، وقد تكون هناك تحالفات مع قوى سياسية أخرى في ملفات معينة وبشروط
واضحة قد تكون قوى الاسلام السياسي الشيعي في تضاد معها، وقد تتحالف قوى سياسية في
مرحلة ما وفي ملفات معينة حتى مع السلطة، هذا هو العمل السياسي، فيجب على التيار
الديمقراطي أن لا يكون مرهونا في تحالفاته مع قوى معينة دون غيرها.
بالتأكيد هذه
الفعالية ترسم مؤشرا قد يكون إيجابيا أو قد يكون سلبيا، إيجابيا إذا استطعنا ايجاد
حالة من الاستمرار للتشاور وإبداء الرأي وقدرتنا على الاستماع لبعضنا البعض
وتفهمنا لبعضنا البعض، أما خلاف ذلك فإن المؤشر سيكون سلبيا.
أنتهز هذه الفرصة
لأدعو أولا من ابتعد بل واستقال من جمعيته بسبب تباينات في الرأي أن يعود لمكانه
الصحيح، فمساحة الاتفاق هي الأكبر والأوسع من هذه التباينات.
شكرا لكم جميعا
شوقي العلوي