المنشور

الوجه الآخر «للاتفاقية الثلاثية»

ثمة خطأ شائع بيننا حينما نتصور بأن «الاتفاقية الثلاثية» هي المحطة
الأخيرة في ملف المفصولين، والصحيح أنها خطوة أولى مشكورة تحتاج إلى خطوات
أخرى محاذية لطيّ هذا الملف المؤلم المعقد.

تفاصيل كثيرة اختفت وراء
جبل التهليل الإعلامي الذي رافق توقيع الاتفاقية، وإن كانت ليست خافيةً
بالطبع على المسئولين في وزارة العمل ولا على أمناء الاتحاد العام لنقابات
البحرين، لكنها على أية حال ستبقى تثير تخوّفات الفئات المتضررة من عمليات
الفصل والتي سقطت أسماؤها من قائمة الـ165 المنشورة مؤخراً للمفصولين
المقرّر عودتهم إلى العمل بموجب الاتفافية.

ما حدث هو أن الاتفاقية
ضيَّقت كثيراً من معايير انتقائها للمفصولين الذين ستحمل أسماءهم نصاً،
لإلزام جهات العمل بإعادتهم، فكان عصارة ذلك 165 إسماً فقط من أصل أكثر من
400 مفصول مسجلين في قوائم الاتحاد العام للنقابات.

فحتى تقبل
الاتفاقية أن تحمل المفصول معها في القائمة، اشترطت 4 شروط أساسية هي: أن
يكون العامل قد فصل من عمله في العام 2011، وأن يكون فصله تم بسبب الأحداث
بشكل واضح لا يختمره أدنى شك، وألا يكون لدى المفصول سجل تجاري باسمه،
والأخير: ألا يكون المفصول قد التحق بعمل آخر خلال فترة فصله. وأي مفصول لا
تنطبق عليه الشروط السابقة فأمره مرجو إلى المتابعة الداخلية لدى اللجنة
الثلاثية التي تضم في عضويتها الوزارة والاتحاد والغرفة، إما يتوافقوا على
إعادته للعمل أو يحيلوا أمره إلى القضاء.

وحتى الآن فإن الأجواء
الإعلامية ومقال وزير العمل الأخير يصوّر للداخل والخارج، أن ما جرى إنجازٌ
تم من خلاله وأد ملف المفصولين إلى الأبد، دون أن يتطرق بشكل مباشر وصريح
إلى حالات الفصل الأخرى والطريقة التي سيتم التعامل معها. وهذا ما يفتح
الباب أمام تخوفات جمة لدى المفصولين بأن يتم استغلال هذه الأجواء
الاحتفالية لإسدال الستار على قضيتهم في الإعلام والحديث الرسمي، ومن ثم
تبقى حالاتهم مضيعةً في أتون تجاذبات اللجنة الثلاثية التي عانت كثيراً من
قبل دون قدرتها على الوصول إلى اتفاقيات ملزمة تكفل للمفصولين العودة
لأعمالهم.

في ملف المفصولين، فإن الأمر لا يتوقف عند إعادتهم
لأعمالهم فقط، لأن هنالك قضايا كثيرة تنتظر الإنصاف، وأبرزها قضايا العمال
المرجعين إلى غير وظائفهم وبمستويات دنيا، كالذي حدث عندما نقل العاملون في
إدارة تنقية المعلومات إلى العمل في المسبك والمصهر بإحدى الشركات الكبرى؛
أو الذين عادوا دون وظيفة حقيقية ولا صلاحيات، كما حصل لنحو ثلث موظفي
الموارد البشرية بوزارة الصحة، حيث تم توزيعهم على المراكز الصحية
والإدارات الأخرى دون أن تسند إليهم أية وظائف تلائم مؤهلاتهم الأكاديمية
وخبراتهم العملية.

والأكثر خطورةً، إن الوزارات والشركات أفقدت
المرجعين الاستقرار الوظيفي وأوقفت تطورهم المهني بعد أن أبعدتهم عن
مناصبهم الأولية، على الرغم من أن كثيراً منهم سيبقى يعمل لأكثر من 20 سنة
مقبلة، وهو ما يطرح السؤال الكبير: إنه متى ستفكر الحكومة والشركات في
إعادة العمال المرجعين إلى وظائفهم التي تم إقصاؤهم عنها؟ وذلك هو الوجه
الآخر لملف المفصولين.

محمود الجزيري

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4225 – الأربعاء 02 أبريل 2014م الموافق 02 جمادى الآخرة 1435هـ