في حين قدَّمت جميع القوى السياسية المشاركة في الحوار الثالث مرئياتها،
بقت السلطة وهي الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً في الوضع الراهن صامتة، ولم
تعلن حتى الآن عن نيتها لتقديم أية أفكار أو مرئيات، كما أنها لم تعلن عن
الخطوة المقبلة، والتي كان من المفترض أن تكون لقاءات ثنائية بينها وبين
الأطراف الأخرى.
إن تعليق الحوار أو إيقافه بسبب التطورات على الأرض
لا يمكن أن يكون سبباً حقيقياً أو حتى سبباً مقنعاً للمواطنين، فما هو
معلوم أن التطورات هي نتيجة وليست سبباً.
المسألة الأهم في هذا
الإطار هو الاعتراف بوجود مشكلة سياسية لا يمكن تجاوزها، ومن ثم تشخيص هذه
الأزمة للخروج منها بأقل الخسائر وبما يرضي جميع الأطراف، أما التعامل
بطريقة رد الفعل، فذلك أمر غير محمود تماماً.
حتى الآن لم تعترف
السلطة بوجود أزمة سياسية مع أنها دعت للحوار ثلاث مرات متتالية، ما أوقع
مناصيرها في حيرة كبيرة، فإن كانت الدولة ترى أن المعارضة في البحرين ما هي
إلا مجموعة من المخربين يجب التعامل معهم بالأسلوب الأمني، فكيف تدخل معهم
في حوار؟ وإن كانت ترى أن هناك مشكلة سياسية حقيقية تواجهها البحرين، وأن
ما تطرحه المعارضة يصب في مسار تطوير التجربة الديمقراطية، فلماذا تعلن في
جميع لقاءاتها مع السياسيين من مختلف دول العالم، أن الحوار هو المخرج
الوحيد للأزمة ومع ذلك تحاول بشتى الطرق سواء من خلال ممثليها على طاولة
الحوار أو من خلال القوى المحسوبة عليها من مستقلين أو جمعيات موالية تعطيل
الحوار، وعدم الدخول في جدول الأعمال وطرح المرئيات بشكل جدي؟
في
المرة الأولى التي طرحت فيها السلطة فكرة الحوار حاولت الالتفاف على
المطالب الشعبية من خلال جمع أكبر عدد من الشخصيات، والجمعيات المختلفة غير
المهتمة أصلاً بالعمل السياسي، بهدف إضاعة الفكرة الأساسية من الحوار، وفي
المرة الثانية تعمّدت تغليب كفة على أخرى، بحيث تكون طاولة الحوار مائلة
بـ 180 درجة، ولذلك لم يكن من المتوقع أن تصمد لوقت طويل وأن تصل لنتائج
متوافق عليها.
على السلطة في هذا الوقت الصعب أن تعلن للجميع إذا
كانت لا تزال ملتزمة بمواصلة الحوار الجدي، وأن تطرح مرئياتها التي تشخص
الوضع الحالي وكيفية الخروج منه، وأن تهيّئ الأجواء الصحيحة لاستئناف
الحوار بشكل يؤدي إلى الحل. فمتى ستقدم السلطة مرئياتها؟
جميل المحاري