المنشور

بين العدالة والانتقام فرق كبير

هناك فرق كبير بين العدالة والانتقام؛ فالعدالة تعني اتخاذ إجراءات
عقابية تتناسب مع الجرم وذلك بالاستناد على إجراءات قانونية تلتزم بإطار
قضائي مستقل عن الأطراف الداخلة بالقضية المعنية. أمّا الانتقام فهو يعني
شيئاً آخر؛ لأنه يتطلب القيام بعمل أو إجراء يُحدث الضرر والألم ضد شخص
مُعيّن أو فئة محددة وذلك لإشفاء الغليل.

لعلَّ البعض يعتقد بأن
العدالة والانتقام أمر واحد، ولكن الواقع هو أن الانتقام كان السبيل المتاح
للمجتمعات التي لم تصل إليها الحضارة، أو التي تعيش في بيئة متخلفة أو
أنها من دون قوانين مكتوبة ومطبقة على الجميع، ومن دون محاكم عادلة، ومن
دون شرطة ومن دون أجهزة محايدة تعمل من أجل الصالح العام. ولقد كانت ثقافة
الانتقام أحد أسباب الحروب التي لا تنتهي في عصر الجاهلية، وكما يخبرنا
التاريخ عن حرب داحس والغبراء التي خاضها العرب في الجاهلية لمدة أربعين
سنة بسبب الغيرة والحسد والعراك والتنافس أثناء سباق جرى بين فرسين، ثم
تحوَّل إلى انتقام وانتقام مضاد.

العدالة لها منهج آخر، إذ إن الهدف
من إجراءاتها هو تصحيح الخطأ، وليس إيقاع الضرر والألم والخسارة في الطرف
المقابل بسبب مَظلَمة حقيقية أو متصوَّرة. العدالة تؤدي إلى مجتمع ينعم
بالأمن والاستقرار، أمّا الانتقام فيؤدي إلى مزيد من العنف ومزيد من الخراب
والاضطراب؛ وذلك لأن الانتقام يستهدف أساساً إلحاق الألم فقط، ويعتبر ذلك
هدفاً لإشفاء الغليل. أمّا العدالة فهي من أجل حماية المجتمع (كل فئات
المجتمع من دون تفريق) اعتماداً على مبدأ الوقاية المستقبلية من الخطأ،
وحماية الأبرياء، وإعادة التأهيل لكي لا يتكرر السلوك الخاطئ. ولذلك فإن
العدالة تحتاج إلى النظام القضائي العادل وإلى سيادة القانون المطبق على
الجميع من دون استثناء. أمّا الانتقام فهو لا يحتاج إلى نظام عادل ولا
يحتاج إلى إجراءات ولا يحتاج إلى قانون يُطبَّق على الجميع؛ لأن الهدف من
الانتقام يختلف عن الهدف من العدالة.

وعليه، فإننا ومن منطلق حرصنا
على حضارية الدولة، ندعو إلى احترام سيادة القانون وتجنب سياسة الانتقام،
ويتوجب ألا تكون أنظمة الأمن والعدالة مشحونة بالعداء لجهة ما، وإنما يجب
أن تكون أداة محايدة للعدالة بين الجميع في بلاد يحكمها قانون ملتزم بحقوق
الإنسان.

منصور الجمري